محمد خروب

&

&

&
تنتهي اليوم ازمة «الثقة» التي اشهرتها حركة النهضة في وجه حكومة الحبيب الصيد الاولى، والتي لم تصمد تشكيلتها طويلاً ما أجبر السياسي التونسي المخضرم الذي اختاره «زميله» السابق والرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، ليقود حكومة تونس الأولى بعد انتهاء المرحلة الانتقالية واستكمال الاجراءات الدستورية للدولة الجديدة، نقول: اعلان «النهضة» انها لن تمنح الثقة لحكومة الصيد (الأولى) ذات اللون الواحد وجل اعضائها من حزب نداء تونس صاحب المرتبة الاولى في مقاعد مجلس نواب الشعب (86 مقعداً)، أجبر الرجل على إعادة النظر في النهج الذي اختاره وهو استبعاد كل القوى السياسية والحزبية الممثلة في البرلمان والاتكاء على المُستقلّين لتمرير تشكيلة حكومته، ما ادى في النهاية الى تراجعه واضطراره إشراك الكتل البرلمانية ذات «الوزن» الكافي لنيل الثقة، فجاءت النهضة صاحبة الـ 69 مقعداً... شريكاً (وزير واحد لحقيبة العمل وثلاثة وزراء دولة)، كذلك حصل الاتحاد الوطني الحر على ثلاث وزارات (يحوز على 16 مقعداً في البرلمان)، كذلك حاز حزب آفاق تونس صاحب الثمانية مقاعد على ثلاث وزارات.
اغلبية برلمانية وازنة باتت تمثلها حكومة الصيد، كفيلة بحصولها على الثقة، لكن ملابسات تشكيل الحكومتين الأولى «المغدورة»، والثانية المرشحة «للاقلاع»، تدعو للتدقيق في اسباب لجوء الصيد في البداية، الى اشهار حكومة، يعلم انها لن تحوز على ثقة المجلس النيابي لأسباب عديدة، منها ما يمكن ان يُعزى الى ان حركة النهضة «لا تطيق» ولم تتعوّد اصلاً الجلوس في مقاعد المعارضة، ومنها ايضاً ان نواب «الجبهة الشعبية» غير قادرين على منح حكومة كهذه..ثقتهم، بسبب تاريخ وميول وزرائها الليبرالية والمؤيدة لاقتصاد السوق، وبما يخالف قناعاتهم وخصوصاً برنامجهم الاقتصادي الاجتماعي، الذي بموجبه نالوا هذا العدد اللافت وغير المسبوق من المقاعد (15 مقعداً)، ما بالك الآن، ان الحكومة العتيدة (الثانية)، قد ضمّت «النهضة» بكل ما بينهما من خلافات وتباين وصراع؟


حكومة الصيد بنسختها الثانية، تبدو كمن تسرّع في طباعة كتاب جاء مليئاً بالأخطاء او ترتيب الصفحات أو عدم اكتمال الفكرة او ضبابية الرأي او غموض الشرح، فطرح نسخة اخرى كتب عليها لاسترضاء القراء: طبعة جديدة.. مَزيدة ومُنقّحة..
قد ينجح الاسلوب هذا في عالم الكتب، لكنه غير مرشح للنجاح في عالم السياسة، رغم أن التباين في المواقف بين نداء تونس والنهضة خصوصاً في «الاقتصاد» ليس كبيراً أو صارخاً, فالاسلام السياسي يلتقي تماماً مع الرأسمالية بوجوهها المختلفة ومنها نسختها الاخيرة.. النيوليبرالية المتوحشة, و»تاريخهم» في هذا المجال معروف, فهم لا يستثمرون إلا في قطاع الخدمات وتلك المِهن التي تُدرّ ربحاً سريعاً ولا يخاطرون بالاستثمار في مشروعات انتاجية متوسطة أو ضخمة أو ذات مردود «متصاعد», قد يحتاج الى سنوات مقبلة كي يُؤتي أُكله, ولهذا تراهم «يُبدعون» ويصيبون نجاحاً في المولات الكبيرة أو المتوسطة (تجربة خيرت الشاطر) أو البنوك المسجلة في دول أو جزر وهمية تنجيهم من المراقبة والمساءلة..دون ان ننسى انهم لا يوفرون فرص عمل الا لـ (إخوانهم).
ما علينا..
حكومة الصيد الجديدة, ستنال الثقة وربما بنسبة عالية, بعد التزام نواب حزب نداء تونس التصويت لصالحها رغم الانتقادات التي وجهها بعض نواب الحزب لتشكيلة الحكومة وملاحظات على بعض وزرائها, وغيرها رأى ان اشراك «النهضة» في الحكومة يتعارض مع التعهدات «القاطعة» التي كان اعلنها قائد السبسي وقيادات رفيعة في نداء تونس, ان مشاركة النهضة.. غير مطروحة.
المشهد التونسي الراهن بات واضحاً، إذ ليس غير «الجبهة الشعبية» من الكتل البرلمانية الخمس، خارج هذه الحكومة التي تُشكِل خليطاً غير متجانس سياسياً, ويمكن للمرء أن يعود الى «زمن» الانتخابات البرلمانية ولاحقاً الرئاسية ليكتشف حجم «الهوّة» التي تفصل بين الحزبين الكبيرين (نداء تونس والنهضة) في اكثر من ملف والعديد من القضايا, لكنها «لعبة السياسة» ذات الطبيعة الانتهازية التي تتغير قواعدها وتنحرف، تبعاً للمصالح وحجم العوائد، سياسية كانت ام شخصية وخصوصاً مالية.
يسجل للحبيب الصيد انه منح نحو 20% من حقائب حكومته للمرأة التونسية, رغم حمولتها الزائدة التي قد تعيق حركتها وتُسهم في تقصير عمرها, إذ أنها تضم «41» وزيراً، منها 27 حقيبة وزارية (للنساء منها 3 حقائب) و(14 وزير دولة للنساء خمس منها).. ويبقى ان ننتظر المائة يوم الاولى من عمرها (اذا لم ينهار الائتلاف الجديد قبل ذلك), كي نحكم على ادائها ومدى رضى الجمهور التونسي.. عليها.

&