محمد خلفان الصوافي

في واحد من الأشياء التي ربما تبدو عادية من أول وهلة بالنسبة للكثيرين، ولكنها في الحقيقة قد تضفي عمقاً في القرارات الاستراتيجية المحلية والدولية، فقد حلت العاصمة الإماراتية (أبوظبي) في المركز الأول عربياً في تقرير المدن الآمنة، الذي تصدره وحدة «الإيكونوميست أنتليجنس». اللافت للنظر، أنها حققت ذلك المركز رغم ضراوة حالة الفوضى الأمنية المحيطة بدولة الإمارات سواء في اليمن، العراق وسوريا. وحققت ذلك في وقت يبحث الكل فيه الوسائل الممكنة لإعادة الاستقرار والأمن في العالم بعدما انتشر الكثير من الفوضى. فعلى سبيل المثال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يقطع زيارته إلى إثيوبيا لمتابعة الوضع في سيناء. والرئيس الأميركي أوباما يزور المنطقة لترتيبات أمنية عالمية أساسها من المنطقة غير المستقرة.

وفي الواقع، عند الحديث عن الأمن العالمي، فإن منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها الخليج العربي يبدو أنه هو الجزء المفقود في هذه المنطقة، على اعتبار أن الاضطرابات وحالة الفوضى هي السمة الواضحة فيها على مر التاريخ. ما يعني وفق هذه المكانة أهمية الاطمئنان والثقة بما يتم رسمه من قبل قيادات الإمارات من سياسات أمنية فيها، التي قد لا تعجب الكثيرين من أصحاب الفوضى، حيث تخرج علينا تحليلات عربية وعالمية أقل ما يقال عنها هو إنها متحاملة وغير موضوعية.

&


ويستدعي هذا الخبر -الذي يمكن النظر إليه على أنه خبر عادي في الإمارات- النظر إلى أهمية عامل الأمن في تحقيق النهضة التنموية في المجتمعات، وإلى ما يمكن أن ينظر إليه صانعو القرارات في العالم، سواء كانوا من السياسيين أو الاقتصاديين أو الأمنيين. وأعتقد أن القمة الحكومية التي ستعقد بعد أيام في دبي وحالة الإقبال عليها دليل واضح على الكيفية الإيجابية التي ينظر بها صانعو القرار في العالم إلى الإمارات.

وبصفة عامة، لا يمكن قصر النظر على ما تحقق في الإمارات في حدودها الجغرافية فقط، حيث صورتها العامة هي الاستقرار المجتمعي، ولكن هي اليوم دولة مؤثرة في الكثير من السياسات الإقليمية والدولية، وبالتالي قد تمثل مرجعاً في المعادلة الأمنية في العالم خاصة عندما يكون الأمر متعلقاً بمنطقة الشرق الأوسط، ولذا أعتقد أن حضور الإمارات في الكثير من الفعاليات التي تخص أمن المنطقة هو جزء من هذا المنطق فهي تشترك في العمليات الدولية ضد «داعش»، وشاركت في جهود الإسهام في استقرار أفغانستان والعراق.

وما أريد قوله هنا هو أن الإمارات عندما تكسب هذا المركز فقد لا يعني أنها بذلك ستحقق الأمن في المنطقة كلها، وإنما هي قيمة حقيقية لطريقة التفكير في بناء منظومة الاستقرار في الدول، وبالتالي يمكن الاستفادة من تجربتها سواء من دول المنطقة أو من خلال الدول الكبرى التي تسعى إلى نشر الاستقرار في المنطقة ولكن لا زالت بعيدة عنه. والقصد هنا عنصر الأمن بكل أبعاده، السلامة العامة، والبنية التحتية والأمن الشخصي. على اعتبار أن هناك دولاً لديها ثروات طبيعية وتمتلك مواقع جغرافية استراتيجية لكن لفقدان الأمن تبدو فقيرة وغير مهمة ربما العراق وليبيا نفطياً، واليمن والصومال جغرافياً.

لقد بات الاستقرار من الأشياء غير المألوفة لدى المواطن العربي. وإذا كانت الإمارات منذ قيامها قد تميزت بالأمن بل تفردت بشكل يثير الإعجاب، فإن هذا دليل كافٍ على قدرة قيادتها على إنشاء مؤسسات تحافظ على الأمن في منطقة مليئة بالأزمات السياسية وغيرها، وفي دولة تستضيف عدداً من الجاليات يفوق أكثر من 200 جنسية طبعاً مع اختلاف الديانات والأعراق.

وأهم ما يمكن استنتاجه من المكانة التي حققتها العاصمة الإماراتية هو أن هناك إشارات تفيد بإدراك الكثير من الفاعلين العالميين من منظمات ودول أن تصور دولة الإمارات من «الربيع العربي» وموقفها من الذين حاولوا استغلال الرأي العام العربي في خلق الفوضى، كان صائباً. وبالتالي فإن إعادة التفكير والسير مع المسار الإماراتي بدأ يأخذ أهميته وبات الكثيرون في مراكز صناع القرار في العالم يعتبرونه ضرورياً ومطلوباً. فمع أكثر من أربعة عقود وفي منطقة تموج بالكثير من المشاكل، تتمتع الإمارات بالأمن أكثر من غيرها من الدول العربية، وتكون العاصمة أبوظبي واحدة من خمس وعشرين مدينة عالمية اعتبرت الأكثر أماناً، فهذه حقيقة لا بد أن تكون مهمة في الاستراتيجيات العالمية.
&