عبدالرحمن الوابلي

العالم بدأ يتحرك وبجدية من حولنا، من أجل ضمان سلامة الأمن العالمي ورخائه. وبما أن منطقة الخليج العربي هي رأس حربة السلام في العالم، وبؤرة انطلاقته. إذًا فلماذا لا تبادر دول مجلس التعاون الخليجي الست، وتبدأ محادثات تفاهم جادة، بينها وبين إيران؟

&


بعد أن تم توقيع معاهدة التفاهم بين دول الـ"5+1" مع إيران حول برنامجها النووي، الذي كان نتاج حوالي سنتين مضنيتين من المحادثات والتفاهمات الجادة والماراثونية. اتفق أغلب معلقي ومحللي السياسة في العالم، على أن هذا الاتفاق هو في النهاية نصر لصالح الجميع؛ وليس هنالك غالب أو مغلوب؛ بل هنالك منتصر واحد وهو العالم أجمع، ما عدا -وللأسف الشديد- في منطقة الشرق الأوسط، فقد انقسم المعلقون والمحللون السياسيون حول نتيجة هذا الاتفاق؛ منهم من عده نصرا مبينا لإيران، لا يضاهيه انتصار في القرن الحادي والعشرين، وهنالك من عده هزيمة ساحقة ماحقة لإيران؛ لم يضاهها هزيمة في تاريخ البشرية. مع أن السيد محمد جواد ظريف، وزير خارجية جهورية إيران الإسلامية؛ أوضح جليا بعد توقيع اتفاقية التفاهم على برنامج إيران النووي بين إيران والدول العظمى، بأن جميع الموقعين على عقد اتفاقية التفاهم قد تنازلوا تنازلات مرّة؛ من أجل التوصل إلى هذا التفاهم. وأنا أروي، بأن السيد ظريف قد اختصر المسألة بهذه العبارات الموفقة؛ بأن الاتفاق لم يتم حسب رغبات طرف على طرف آخر، وإنما تم بتنازلات من جميع الأطراف. إذًا فمن هو المنتصر في اتفاقية التفاهم هذه؟ الجواب هو جميع الأطراف، بما فيها الأطراف التي لم تشارك أو توقع هذا العقد.


إذًا لماذا انقسم محللونا ومعلقونا الساسيون حول الاتفاقية، وجعلوا منها اتفاقية منتصر ومهزوم؟ الجواب هو أن غالبية محللينا ومعلقينا السياسيين -وللأسف الشديد- لا ينطلقون في تحليلاتهم، من أرضية ما حدث وما يحدث على أرضية الواقع، ولكن بدلا من ذلك، ينطلقون من تحليلات رغبوية، أي من يريد أن يرى إيران منهزمة فسيراها كذلك، ومن أراد أن يرى إيران منتصرة فسيراها منتصرة كذلك.


أي أن معظم تحليلاتنا، لا تنطلق من أرضية منطقية تعكس الواقع، كما هو، أو على الأقل تحاول ذلك؛ وإنما تنطلق من أرضية ملغمة بالعواطف والتمنيات، وفي غالب الأحيان، العقد الطائفية والقومية، لتنسف الحقائق الموجودة على الأرض، وتبني قصورا هشة من الأوهام والتمنيات العبثية، التي لا تزيدنا إلا جهلا بالواقع من حولنا، وعليه تخبطا وانهزاما.


على كل حال، إن كانت إيران انهزمت في هذه الاتفاقية؛ فهي مشكورة، لأنها سمحت لأن تهزم من أجل سلامة العالم، ونصر الجميع، وإن كانت الدول العظمى هي من انهزم؛ فشكرا جليلا لها، لأنها تنازلت عن نصرها، وهي قادرة على النصر وأكثر، من أجل سلامة ونصر الجميع. إذًا وهذا هو المهم؛ فإن الجميع قد انتصر، بغض النظر عمن هُزم؛ إذا افترضنا أن هنالك مهزوم. والنتيجة المتوقعة هي أن يحتفي الجميع بهذا النصر، وهذا ما حصل فعلا عالميا؛ ونحن أحوج من غيرنا في هذه الفرحة لأن منطقتنا هي المعنية الأولى، أمنيا؛ نتيجة هذا الاتفاقية.


إذا كان الأمر كذلك، فيجب أن نكون نحن على رأس من احتفى بهذا النصر، لا في ذيله؛ فضلا عن رفضه والتخوف منه. فنتيجة لهذه الاتفاقية؛ ستكون منطقتنا، أكثر أمنا وسلاما من ذي قبل؛ وهذا يتوجب منا شكر جميع أطراف من توصلوا لهذه الاتفاقية، لا التشكيك في نواياهم وحشرهم في زاوية التآمر علينا.


ليس هنالك من عاقل يجب أن يشك في أن أمن الخليج، المهم بالنسبة للعالم، تنمية واستقرارا؛ مهم بالنسبة للدول العظمى، لدرجة تحريك أساطيلها وجيوشها، للدفاع عنه كلما ظهر تهديد مباشر أو غير مباشر له؛ وذلك ليس حبا لسكان الخليج؛ ولكن حبا وحاجة لنفط وغاز الخليج الذي يتدفق عليهم والنتيجة واحدة هي أمن وسلامة الخليج، نفطا وغازا وسكانا.


هنالك من يتخوف من أن اتفاقية التفاهم على برنامج إيران النووي بين إيران والدول الست العظمى تتضمن تفاهما سريا وغير معلن على السماح بمد نفوذ إيراني في المنطقة، وهذا تخوف مبرر، نوعا ما. ولكني لا أراه واقعيا من ناحية أن الدول الست العظمى، التي وقعت الاتفاقية مع إيران؛ ليس لها أجندة واحدة محددة في المنطقة حتى تتفاهم عليها مع إيران. ولكن لكل دولة منها أجندتها الخاصة، والتي قد تكون ليست متناقضة فحسب مع الأخريات؛ ولكن متصادمة في معظم الأحيان معها. ولنفترض بأن هنالك تفاهما على مد النفوذ الإيراني في المنطقة، السؤال الذي يطرح نفسه هو على أجندة أي دولة من الدولة العظمى، قد تم الاتفاق بين إيران وبينها؟ الجواب طبعا، لن تتنازل روسيا والصين؛ من أجل التنسيق بين الأجندات الغربية وإيران؛ بل لن تتنازل فرنسا، لحساب الأجندة الأميركية. ثم إن الدول العظمى وإيران قد أكدوا أكثر من مرة، بأنه ليس هنالك أي تفاهمات قد تمت بين الفريقين المتفاهمين؛ خارج نطاق البرنامج النووي الإيراني.


إذًا فالعالم بدأ يتحرك وبجدية من حولنا، وبالتنسيق بين دوله العظمى الفاعلة، والمتحكمة في العالم؛ من أجل ضمان سلامة الأمن العالمي ورخائه، الذي سيعم الجميع، بدون استثناء. وبما أن منطقة الخليج العربي هي رأس حربة السلام في العالم، وبؤرة انطلاقته. إذًا فلماذا لا تبادر دول مجلس التعاون الخليجي الست، وتبدأ محادثات تفاهم جادة، بينها وبين إيران حول أمن وسلامة الخليج العربي؟ إذ هي أكثر المستفيدين من أمن وسلامة الخليج، وأول المتضررين من انعدام أمنه وسلامته.


تبديد الثروات على صفقات أسلحة، قد تكون مهددا غير مباشر لأي دولة كانت؛ وعليه فتركيز ثرواتها على تنميتها البشرية من تعليم وصحة وسكن ورفاهية لشعبها، هي الضامن الأساس لأمنها. وفي ظل النزاعات المفتعلة والحروب المرتقبة؛ تبدأ كارثة تبديد الثروات القومية على شراء الأسلحة، والتي دوما تأتي على حساب التنمية البشرية والتحتية للبلاد؛ مما يهدد أمنها من الأخطاء الاستراتيجية التي تقع فيها كثير من الدول هو تكريس ثرواتها وجهدها، لضمان أمنها الخارجي فيما تُغفل أمنها الداخلي؛ فيأتيها العدو الذي تخشاه من الخارج، من الداخل؛ ويكون أشد قسوة ووطأة من عدو الخارج عليها. ولنا فيما يحدث في سورية والعراق وليبيا خير دليل على ذلك.


عندما يسود الأمن والاستقرار منطقة في العالم؛ يسود فيها الرخاء والسلام؛ ولنا في أوروبا خير مثال. أفلا يستحق منا خليجنا وشعوبنا الخليجية، على كلا ضفتيه بأن يعيش بأمن وسلام؛ في ظل ثرواته الطبيعية التي أنعم الله بها عليه؛ أفلا يعدّ ذلك من شكر النعم، والحفاظ عليها؟ ألا يستحق كل هذا بأن تجرب دول مجلس التعاون الخليجي بأن تفتح حوار تفاهم مع إيران حول أمن الخليج؟ من أجل أمن ورفاهية الخليج، كل الخليج؛ بكلتي ضفتيه.


سيقول قائل، إن إيران ليست جادة ولا يوثق في التعامل معها. السؤال: ألم تثق بها الدول العظمى الست، وخرجت بنتيجة مدوية؟ فلتجرب دول الخليج الست، نفس التجربة، ونرى ماذا ستخرج به؛ إما سلام مدوّ، وإما تكون قد رمت كرة السلام في سلة الجار الإيراني، وهذا بحد ذاته يستحق المجازفة. وإن لم تفعلها بشكل جماعي، فستفعلها فرادا، سرا أم علانية؛ وهذا لن يكون في صالح أي منها.
&