عثمان الصيني

الملك سلمان يشدد دائما على محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم، وولي العهد أكد أن تنظيم داعش لم يتكون بشكل عشوائي، وإنما برعاية دول بكل إمكاناتها ونواياها السيئة

&


الحديث عن الوهابية كمصطلح في الأدبيات الغربية قديم، على الرغم من تأكيد قيادات السعودية وعلمائها على أنه لا مذهب اسمه الوهابية، وأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب جاء ليجدد للناس أمور دينها على مذهب السلف، لكن المصطلح شرّق وغرّب، وأصبح مستقرا ومقبولا مع اختلاف في المفهوم، غير أن لفظ الوهابية انتشر في الفترة الأخيرة بصورة طاغية وغير مفهومة بعد تنفيذ الحكم في الإرهابي نمر النمر ضمن 47 إرهابيا، معظمهم ينتمون إلى أفكار داعش والقاعدة، وتناولت وسائل الإعلام الغربية هجوما كاسحا على السعودية بصفتها مملكة الوهابية، على حد وصفها، وأنها مصدر إلهام لداعش والقاعدة في الوقت الذي تحدث الجميع عن جهود السعودية في الحرب على الإرهاب ونجاحها السافر والمعلومات المهمة التي تقدمها للدول الأخرى.


وفي اليومين الماضيين انتشر على وسائل التواصل والهواتف الذكية مقطع قصير لجلسة استماع مطولة من مجلس الشيوخ الأميركي اقتطع منه ما مدته 6 دقائق فقط حول علاقة الوهابية وتطابقها مع فكر القاعدة وداعش، ومقدم الاستجواب هو هانك جونسون (ديمقراطي) وهدفه إلقاء المسؤولية في استمرار الحرب على الإرهاب من 2003 على الخارج، أي دول المنطقة وأيديولوجيتها، ودار حوار بين جونسون وثلاثة من مسؤولي الاستخبارات الأميركية، أبرزهم مايكل موريل نائب رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية السابق، وحاول جونسون محاصرة موريل بجملة من الأسئلة، لدفعه إلى الإقرار بعلاقة الوهابية بالقاعدة وطرح مجموعة من الأسئلة مدارها: هل صحيح أن داعش والقاعدة يأخذان الإلهام من المذهب الوهابي؟
ويستخدم جونسون في الاستجواب الأسلوب المعروف في المغالطة المنطقية بالسبب الخاطئ مثل قولنا: إذا زرعت شجرة وأنت صغير فكلما زاد عمرك زاد طول الشجرة، وبالتالي الشجرة تطول لأنك تكبر في العمر، وجونسون يقول: الوهابية فرع متشدد من الإسلام السني بدأ في السعودية، والسعودية تنشر الوهابية من خلال مساجد ومدارس دينية مدعومة سعوديا في كل أنحاء العالم، والعقيدة الوهابية تتطابق مع عقيدة داعش، ودعم السعودية للتعاليم الوهابية يخلق بيئة خصبة لداعش للتجنيد، لذلك لا نستطيع هزم الجماعات الجهادية التي تعتمد على الوهابية التي هي الدين الرسمي للدولة دون إيقاف دعم السعودية للوهابية.


ومع أن موريل حاول أن يرد على جونسون بأن السعودية تستمد تشريعها من عدة مصادر وليست الوهابية، وأن الوهابية لا تتطابق مع داعش، بدليل أن الوهابيين لا يقتلون الشيعة، لكن الشيعي في الموصل أو الرقة يتعرض للقتل، إلا أن هدف جونسون كان واضحا في الاستجواب.


وقضية الاستجواب غير مهمة ولا وزن لها فهي جلسة عادية، وعدم حضور وزير الخارجية كيري إلى الكونجرس للإجابة على الأسئلة وإعطاء تفسير مقنع للاستجواب يدلل على عادية الاستجواب، والأهم من ذلك أن مجال الشؤون الدولية والسياسة الخارجية من المجالات التي يختص بها الرئيس الأميركي، حسب صلاحياته الدستورية منفردا، ما عدا إعلان الحرب أو إرسال قوات إلى خارج البلاد.


القضية ليست في الاستجواب، لكن اقتطاع جزئية داعش والوهابية وترويج هذا المقطع لجلسة عادية جدا على الوسائط وانتشارها بكثافة حتى داخل السعودية يعني أن الإعلام المضاد للمملكة في الخارج يعمل بفعالية، فهذا الاستجواب يتوافق مع محاولات اللوبي الإيراني – الأميركي داخل الكونجرس الكاره لكل ما هو عربي وتناميه في الولايات المتحدة داعما للانفتاح على طهران بقوة، ثم تتلقفه أذرع الإعلام الإيراني حول العالم وتنشره حتى بين أوساطنا في الوقت الذي يتحرك الإعلام الخليجي بشكل بطيء جدا ضمن تراكمات عقود طويلة من التقاعس وكأن المعركة انتهت بعد الاتفاق النووي مع إيران، وهذا الاستجواب نموذج على ذلك.


كل الحملات على الوهابية وما يسمونه بمملكة الوهابية تغفل تماما عن تصريحات القيادة السعودية وعلمائها، فالملك سلمان يشدد دائما على محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم، وولي العهد أكد أن تنظيم داعش لم يتكون بشكل عشوائي وإنما برعاية دول بكل إمكاناتها ونواياها السيئة، وولي ولي العهد أعلن مؤخراً عن تشكيل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والأمير سعود الفيصل - رحمه الله - ذكر أن داعش مجموعة إرهابية وسميناها كذلك، ومفتي عام المملكة عبدالعزيز آل الشيخ وصف داعش بأنهم فئة ظالمة معتدية على الدماء والأموال والأعراض، ولكن هذه التصريحات المتكررة يتم تجاهلها، ويتم التركيز على بعض آراء متشددة وتكفيرية لبعض العلماء ترد في الدرر السنية وغيرها يأخذها الإرهابيون وهي اجتهاد وقراءات خاصة، ومن الحيف، بل من غير الصواب أن ننسبها إلى محمد بن عبدالوهاب ونسميها الوهابية، ولا بد من فرزها عن العقيدة الصافية التي طالب الملك سلمان بالتمسك بها في كلمته أمام الأمراء والوزراء والعلماء والمشايخ والقضاة وأعضاء الشورى.
&