علي سعد الموسى& &&

&

يمكن لأي كاتب أو مفكر أن يصبح بطلا شعبيا بالعزف على (ما يطلبه الجمهور). بدغدغة مشاعرهم، والتطبيل الفج على قضاياهم، وترطيب جراحهم بمجرد الشاش والمرهم، لكن كل هذا لا يبرئ الآلام، ولا يشرح جوهر المشكلة. يمكن له أن يصبح (أيقونة) وطنية إذا ما لعن أميركا، وشتم إيران، وناهض المؤتمرات والقوانين المشبوهة، ولكن كل هذا يدخل في باب (الطنين) المحلي الذي لا يتعدى المسافة ما بين اللسان والأذن. تعالوا سويا لنقرأ بكل هدوء وتيرة الأحداث من حولنا في الفترة الأخيرة حتى ولو كنا مؤمنين تماما أننا لسنا جزءا من كل ما حدث ويحدث. لم تعد علاقاتنا في الإطارين الإقليمي والدولي على ما يرام، وهي اليوم في تفاوتها النسبي ما بين عاصمة وأخرى لا تشبه إلا الفوارق الطفيفة ما بين مدينة وأخرى في ذروة الشتاء. هي ذلك الشبه بالضبط من واشنطن إلى موسكو ومن طهران حتى القاهرة، مرورا ببغداد والشام وبيروت إلى صنعاء. هل أكتب مزيدا من شرح عواقب آخر سطرين أم أكتفي بما كتبت؟ نحن اليوم مثل الصقر السيبيري العملاق، ولكنه المضطر إلى دخول بياته الشتوي القارس، بينما إيران تخرج إلى (ربيع الحماقة) الدافئ بعد الحصار الطويل. في العام الأخير استطاعت إيران الوصول إلى إنتاج المليون الرابع من النفط بفضل التقنية الغربية، وستصل إلى المليون السابع من إنتاج النفط خلال ثلاثة أعوام. معادلة بالغة الخطورة في تغيير موازين القوى الإقليمية لا تشبه سوى وصول وزير خارجيتهم إلى "نيويورك تايمز" حين اكتفينا بردة الفعل، ولكن في صحيفة "وول ستريت"، وتلك إشارة جوهرية لافتة.

وأنا هنا لست معنيا بترتيب أولويات الخطورة في ترتيب الأحداث. نحن مثلا لم نقرأ مؤتمر "غروزني" وتوصياته، ولا "جاستا" وبنوده في الإطار الواقعي العقلاني لما حدث، وأيضا لما سيحدث. تعاملنا مع الحالتين بالرفض وديباجة مئات المقالات التي لا تتعدى في التأثير تلك المسافة ما بين عين القارئ وبين الورقة أو بالتشبيه كما يتعامل الأهل مع مريضهم المصاب بفيروس قاتل بطمأنة تخدير الكلام أنها مجرد بكتيريا تحتاج إلى مجرد علبة مضاد حيوي. نحن لم نقرأ في مؤتمر "غروزني" أنه الورقة الابتدائية في مشوار طويل يهدف إلى عزلنا "أيديولوجيا" وعقائديا عن نفس المحيط الذي اعتدنا ريادته وقيادته، ولم ندرك أن "ورقة البداية" هي أخطر أوراق أي ملف يكبر فيما بعد. كان بإمكاننا بكل سهولة أن نضرب "غروزني" في مقتل بالدعوة إلى شيء سأسميه (غروزني × مئة) فلا نترك فصيلا إسلاميا ولا ملة ولا نحلة أو طريقة أو مذهبا إلا ودعوناهم، تحت سقف مؤتمر إسلامي موسع يدعو لوحدة الصف، وتوحيد الكلمة، ونبذ الإرهاب، وإدانة التطرف. هذا لو أدركنا أن هذه هي مصلحة هذا (الوطن) للعودة إلى مكانه الطبيعي لقيادة الأمة، وبلعنا بصبر مرارة "الطعم" السام الذي حاول "غروزني" أن يدسه في جسدنا، ويؤسفني أن أقول بوضوح إنه في الطريق لكي ينجح. ويؤسفني أخيرا أننا نكرر ذات ردة الفعل مع المشبوه الجديد (جاستا) بذات مهدئات أصحاب فزعة (اليوتيوب)، وآراء دهاقنة النظرية السياسية التي تعود إلى منتصف القرن الماضي، وكلها مجرد بخار هوائي ينتهي مع الثانية الأخيرة لكل مقطع. أكتب غيورا ناصحا مكررا أسفي على الإزعاج وتكدير المزاج العام بهذه النظرة الرمادية التي لا تشبه سوى لون وجهي كلما قرأت مئات الأوراق لما حدث وسيحدث. نحن بحاجة ماسة اليوم لمن يقرأ لنا وعلينا ظهر الورقة الخفي: أما التي أمامنا فهي مجرد وصفة بنادول ومسكن.

&