برتران بزانسنو 

بعد تسع سنوات من إقامة لا تنسى في المملكة العربية السعودية، نستعد زوجتي وأنا لمغادرة بلدكم نهائياً بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

 نغادره بغصّة قلب فعلية إذ نشعر أنّنا في بلدنا في المملكة، ولقد قدّر أولادنا الكبار غاية التقدير الزيارات المتعدّدة التي قاموا بها إلى المملكة. كيف يمكننا أن لا نعرب عن إعجابنا أمام جمال الصحراء والجبال والبحار في هذا البلد الرائع؟ تسنّى لنا زيارة جميع مناطق المملكة وأبهرنا بالمناظر الخلاّبة وبكرم ضيافة السكّان الأسطورية. ولكنّ الأمر الأهمّ ألا وهو بطبيعة الحال الأصدقاء الفعليين الذين نترك هنا ولا يساورنا الشكّ بأنّهم سيبقون أصدقاءنا؛ لأن الوفاء ميزة سعودية.

 إلى أصدقائنا أجمعين -الرسميين والأشخاص- نعرب عن شكرنا الجزيل من أعماق قلبنا لهذه السنوات التي مضيناها سوية والتي ستبقى بمثابة كنز لنا.

 أريد أن أغتنم الفرصة كي أقول لهم إنّه، على الصعيد المهني، تسنّى لي أن أعيش خبرة استثنائية أمام وضع إقليمي صعب للغاية، تبقى المملكة العربية السعودية قطب استقرار وتنمية ولاعباً دولياً تتجلّى أهميّته يوماً بعد يوم. أصبحت مدينة الرياض عاصمة العالم العربي الجديدة ويتعيّن على القوى العظمى أخذ آرائها بعين الاعتبار. إن التنمية الاقتصادية السريعة التي عرفتها المملكة خلال السنوات الأخيرة غيّرت نمط حياة السكّان بشكل عميق. بفضل نشاط الملك عبدالله، رحمه الله، تلعب النساء السعوديات دوراً متنامياً في المجتمع ويعرب الشباب بشكل صريح على الشبكات الاجتماعية عن تطلّعاتهم: الوظائف ووسائل ترفيه أكثر. 

إن المملكة العربية السعودية هي بالتالي دولة مستقرّة ولكنّ في تحرّك مستمّر. ينبغي على كلّ واحد أن يأخذ التغييرات التي طرأت في العالم -ظهور عالم متعدّد الأقطاب وتغيير المعطية في قطاع الطاقة والبيئة...- بعين الاعتبار والمملكة تتأقلم. إن رؤية مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان 2030 هي تحليل شجاع للوضع يقدّم للمواطنين السعوديين آفاقاً جديدة.

 بطبيعة الحال، يصعب على المرء تغيير عاداته وهناك مخاوف فعلية يعرب عنها البعض بشأن تأثير الإصلاحات. ولكنّ التوّجهات العامة هي التوّجهات الصالحة وتتمّتع المملكة بميزات جدّية يمكنها استغلالها. بفضل تنسيق جيّد مع اللاعبين الاقتصاديين، سيتسنّى للبلد استعادة نموّه والثقة في مستقبله. إنّها تضطلع بمسؤولياتها بنشاط متزايد في العلاقات الدولية. ونحتاج للأصدقاء في الأوقات العصيبة. كما تعلمون، إن فرنسا صديقة العرب وشريكة جديرة بالثقة للمملكة العربية السعودية منذ الزيارة التي قام بها الملك فيصل إلى الجنرال دي غول عام 1967. خلال السنوات الماضية، عزّزنا تعاوننا في جميع القطاعات بشكل ملموس وإنّي أفتخر بالمساهمة التي قدمّتها. 

في الأجواء الدولية الجديدة، يمكن للمملكة أن تعتمد على فرنسا. إنّنا نشاطر الرؤى نفسها حول الوضع الإقليمي وتعاوننا الأمني والعسكري تعاون مثالي ونمت تبادلاتنا الاقتصادية والثقافية كثيراً. إنّي مقتنع بأن التقنية الفرنسية –وهي تقنية في الطليعة في مجالات عديدة تهمّ المملكة- بل أيضاً خبرتنا في الشراكات بين القطاعين العام والخاص وفي مجال التدريب -بما فيه التقني والمهني- أمور ستسهّل بشكل جوهري زيادة المشاريع المشتركة بين الشركات الفرنسية والسعودية –الكبيرة والمتوّسطة والصغيرة. أثق في تعزيز شراكتنا الاستراتيجية.

 اسمحوا لي أن أختم هذا الخطاب وأن أعرب مجدّداً عن شكرنا الجزيل والصادق وأن أوّجه لكم تمنيّاتنا الودّية للمستقبل، آملاً مقابلتكم مراراً وتكراراً.

 عاشت الصداقة الفرنسية - السعودية. 

*سفير فرنسا لدى المملكة