&جاسر عبدالعزيز الجاسر

&لم يواجه تشريع في أمريكا أو غيرها برفض وشجب مثلما يواجه الآن التشريع الذي يشار إليه بـ«جاستا»، فهذا التشريع أجمع حلفاء أمريكا من الغربيين وأصدقاؤها من خارج الغرب وأعداؤها وفي مقدمتهم روسيا، إِذ اتفق كل هؤلاء على أن هذا التشريع الشاذ سيشرع الفوضى في علاقات الدول، وأنه سيلحق الضرر بأمريكا نفسها لأنها تعد الدولة الأكثر في العالم التي تمارس الإرهاب ضد الدول والشعوب وسجلها حافل بالعدوان على الكثير من الدول وفي كل القارات من آسيا التي استهدفت في جنوبها وشرقها «فيتنام وكوريا» وفي شرقها الأدنى والأوسط العراق وأفغانستان وباكستان واليمن، وفي إفريقيا، ليبيا وأمريكا اللاتينية وبنما وشنت حروبًا اقتصادية على كوبا وفنزويلا، وحتى جارتها المكسيك، ودولة لها هذا التاريخ المتضخم من استهداف الدول بجيوشها وطائراتها ومنها طائرات التجسس والطائرات من دون طيار ما كان لها من تتورط وتشرع قانونًا يتيح رفع الحصانة عن الدول بحجة دعمها للإرهاب، وإذ كانت التجاوزات الأمريكية مثبتة ومؤكدة بالأدلة والوقائع، فإن الدولة التي يستهدفها هذا التشريع النفعي والمقصود منه الابتزاز ونهب أموالها كانت ولا تزال من أكثر الدول محاربة للإرهاب وأكثرها تعرضًا له.

فالمملكة العربية السعودية التي يستهدفها المبتزون من سياسيي الكونجرس ومن ورائهم المحامون المتخصصون برفع دعاوى التعويض، يعلم الأمريكيون بدءًا برئيسهم إلى أصغر عضو في الكونجرس أنها أكثر الدول شراسة في مواجهة الإرهاب وأنها قدمت الكثير للتصدي له وقد تعرضت بمواقفها تلك إلى استهداف مباشر من قبل الإرهابيين ومن حولهم من داعمي الإرهاب الحقيقيين الذين يعرفهم الأمريكيون جيدًا.

والآن بعد تورط كونجرس أمريكا وعدم جدية رئيسهم في إسقاط هذا القانون، فإن الذي يهمنا هو كيف مواجهة هؤلاء المبتزين والانتهازيين من ساسة أمريكا ومحاميها؟ ولعل أهم ما تستند إليه المملكة هو أنها لا يرعبها هذا القانون لسبب بسيط هو أنها كدولة وحكومة ليس لها علاقة بأحداث 11 سبتمبر التي تثير الشكوك حول من خطط له ودرب الإرهابيين الذين نفذوه والذين أتموا تدريبهم في أمريكا نفسها، وعليه فإن الذي لم يرتكب جرمًا لا يهاب المحاكمة، إلا أن الذي يقلقنا أن هذا القانون سيشغل المملكة ومؤسساتها القانونية والسياسية ودبلوماسيتها ويضعف التنسيق الدولي للتصدي للإرهاب، فهذا القانون المريب سيجعل كثيراً من الدول تحجم عن أي تعاون مع أمريكا التي لا يثق في ساستها الذين دائمًا ما يضحون بحلفائهم وأصدقائهم من أجل مكاسب شخصية لتلك السياسة.

أما كيف تتم مواجهة هذا التشريع، فالكل يجمع على أن المبادرة في سن قوانين مشابهة في الدول الأخرى على مبدأ المعاملة بالمثل، ومثلما تسن أمريكا قوانين على تقديم الدول للمحاكمة على أساس ادعاءات وشبهات، فإن الدول الأخرى لديها قرائن ووقائع تؤكد ضلوع أمريكا في ممارسة الإرهاب على تلك الدول أدت إلى مقتل ملايين البشر وتدمير عديد من المدن وما علينا سوى تشجيع تلك الدول على إصدار قوانين مشابهة لما فعلته أمريكا وتشجيعها على رفع دعاوى لمقاضاة ساستها وعسكرها لما ارتكبوه من جرائم مثبتة.