&كمال الذيب&

بالرغم من الثوابت الأساسية للسياسة الامريكية فقد شهد الخطاب السياسي الأمريكي تجاه العرب وقضاياهم عامة، وتجاه البحرين خاصة، خلال فترة حكم الرئيس أوباما تحولاً جسدته بشكل واضح تصريحاته وخطاباته، منذ أعلن في خطابه الشرق اوسطي الذي تزامن مع ما سمي بثورات الربيع العربي دعمه «للحرية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في المشاركة السياسية وحقها في التعبير السياسي الحر وفي اختيار مستقبلها». وهي تقريبًا نفس الشعارات التي تعلن عنها أغلب الدول العربية في دساتيرها وفي سياساتها الرسمية، وان كان تطبيقها متفاوتًا من دولة إلى أخرى، فقد تبني أوباما قضيتي نشر الديمقراطية ومكافحة الارهاب باعتبارهما من القضايا ذات الأولوية لارتباطهما بالأمن القومي الأمريكي بالدرجة الأولى.&

وبالرغم من أن صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية لا ينفرد به الرئيس لوحده، وإنما يتأثر خطابه وقراراته بما تصدره مراكز الأبحاث الأمريكية وجماعات المصالح والكونجرس، فإننا نجد في مواقف وخطابات وتصريحات الرئيس مؤشرات مهمة حول هذا التحول، فالخطاب بالرغم من كونه بقي في خطه العام نمطيًا، فإن ما برز منه خلال فترة حكم اوباما هو هذا الصوت العالي المساند الى حد الفجاجة لحركات الاحتجاج في عدد من البلدان العربية، التي رافقت ما سمي بالربيع العربي، ليس من منطلق القناعة بان هذه الحركات سوف تكون قادرة على إرساء الديمقراطية - لان صانع السياسة الأمريكي ليس بهذه السذاجة - وإنما لان تلك الحركات - مع تفاوت قوتها وأهدافها - سوف تسهم في زعزعة اركان الدولة العربية، وليس السلطة فقط، مثلما توهم بعض السائرين في ركاب الموجة (نكتفي هنا بالتمثيل بالحالتين الليبية والسورية بوجه خاص إضافة الى المثال العراقي الكارثي الذي تم خلاله ليس اسقاط النظام فقط بل تدمير أسس ومقومات الدولة وضمان ان لا تقوم لها قائمة لعدة عقود من الزمان فالهدف في كان ضرب اركان الدولة وليس النظام إلا حجر في طريق التدمير).&

ومن خصائص هذا الخطاب أيضا انه لم يرتبط فقط بالدول العربية المصنفة معادية للسياسات الامريكية، بل مس بشكل واضح ومعلن الدول العربية المصنفة كدول حليفة مثل البحرين، حيث كان الصوت الأمريكي عاليًا ومطالبًا بـ «الحوار مع المعارضة وبالإفراج عن المعتقلين واستمرار الاصلاحات»، وهي الخلاصة التي لا تختلف كثيرًا ما أعلنت عنها البحرين إبان الأزمة وبعدها: معادلة تجمع بين الحفاظ على الأمن والاستقرار والحوار والشراكة الوطنية، من أجل تعزيز الديمقراطية والإصلاح والعدالة والتنمية، فلا أحد في السلطة يختلف مع هذا الطرح، إذ كانت الشراكة قائمة وباب الحوار مفتوحا على مصراعيه، وحتى خلال الازمة وبعدها كانت الفرصة متاحة خلال الأزمة وبعدها وعلى مدار اكثر من 4 سنوات على الأقل، ونعتقد أنها ماتزال كذلك بل ويجب أن تظل متاحة، &لأن البديل عن الحوار هو الصدام، والبديل عن الإصلاح هو تعزيز التطرف. ولكن الأهم هو أن هذا الخطاب الأمريكي الذي رافق الأزمة قد اتسم في الحالة البحرينية بـ :

- عدم الإلمام الكامل بكثير من التفاصيل التي تخص الأزمة وبحقيقة وتركيبة قوى المجتمع السياسي واوزانها الحقيقية وبالسياقات الإقليمية التي أحاطت بها.&

- عدم الإشارة - ولو مجرد إشارة - إلى أن البحرين قد كانت سباقة على صعيد الإصلاح السياسي والانخراط بجدية في المسيرة الديمقراطية والتي لم يكن هذا التحول شكليًا مثلما يدعي البعض بل كان تحولا مهما وخطوة إلى الأمام باعتراف المعارضة نفسها - رغم بعض القصور المعترف به رسميا والمفتوح للمراجعة والتجاوز ديمقراطيا- من ذلك إحلال المرأة مركز المواطنة الكاملة والتعددية الحزبية واتساع مساحة الحريات والتعبير والتظاهر والتجمع والحريات الدينية، ووجود انتخابات حقيقية ونزيهة ومجلس نواب فاعل يشرع ويحاسب ويستجوب، والعديد من الخطوات الهامة والحيوية على صعيد الإصلاح السياسي؛ ولذلك فان نغمة الثورة على النظام في البحرين لم تكن منسجمة مع واقع الحال لأن الوضعين السياسي التنموي لم يكونا من السوء بما يستدعي الثورة.&

- تجاهل أن الحوار كان يجب أن يستوعب جميع مكونات المجتمع السياسي وليس المعارضة فقط، &بل إن تجاهلها يؤخر التقدم على طريق المستقبل.

- تجاهل أن البحرين ليست جزيرة معزولة في صحراء خالية، بل هي جزء من إقليم متكامل، وأن إمكانات التطوير والإصلاح وأفقهما يرتبطان بالضرورة بحدود وآفاق القبول والتقبل في هذا الإقليم، وأن أية قفزات في الهواء من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية.&

- تجاهل أنه يستحيل الانطلاق من لاديمقراطية إلى ديمقراطية كاملة دفعة واحدة، فالمرحلية هي الآلية الوحيدة الامنة والتي تحقق الهدف تدريجيا دون هزات، وان الديمقراطية الكاملة لا تقتصر على الانتخابات والتداول على السلطة فحسب، بل ترتبط أيضا بنشر الثقافة الديمقراطية بكافة مكوناتها الثقافية والسياسية والحقوقية.

- تجاهل أن التيارات والجماعات الدينية الطائفية المعادية لمدنية الدولة لا يمكن المراهنة عليها مطلقًا ان تبني الديمقراطية او تضمن الحريات العامة والخاصة، باعتبار الديمقراطية نسقًا مركبًا من عناصر ثقافية واجتماعية وحقوقية واقتصادية مترابطة ومتفاعلة اساسها مدنية الدولة والفصل بين السياسة والدين، وهو أمر لا يمكن ان تقبل به تلك الجماعات بمختلف الوانها.

في الخلاصة، ان الخطاب الأمريكي السياسي لم يكن مبصرًا لحقائق الأمور، وانه الحق بسبب الرسائل المختلطة التي كان يرسلها ضررًا أكيدًا بعجلة الإصلاح بتشجيع التطرف والعودة بالمنطقة بأسرها الى الوراء عقودا من الزمان، ولا ندري ما المصلحة في ذلك.

صحيح انه ما تزال هنالك دولة عظمى اسمها الولايات المتحدة الامريكية، إلا ان هذه الدولة باتت تلوك في مرارة لا تخلو من الادعاء هبوط هيمنتها ومصداقيتها وتأثيرها، رغم حضورها العسكري الكبير، وذلك بسبب عدم امتلاك رؤية أبعد من مغريات المصالح المباشرة والحسابات الضيقة، حيث يتراجع السحر الأمريكي في أرجاء العالم ويزداد العداء لسياستها المتخبطة.

&

&