علي سعد الموسى& & & & &

&

نحن اليوم، وفي هذه المرحلة المتأخرة من تاريخ الدولة والعالم الإسلامي، مجرد ضحايا تلقائية إما للأوراق الهائلة المزورة من تاريخ أحداث البدايات الأولى أو للمسكوت عنه من الأوراق والحقائق التي نغفلها ويتجنب الإشارة إليها سدنة الخطاب التاريخي وأيضاً بالقصد والعمد.

وبناء على ذلك أصبحنا اليوم ضحايا لما هو أخطر وأكبر، وذلك يكمن في تغليف وقائع سياسية مزورة أو مسكوت عنها بثوب ديني عزز فينا هذا الانقسام الطائفي البغيض، الذي لم يظهر ولم يتشكل ولم يكن على الإطلاق شيئاً من حياة هؤلاء "الأوائل" الذين ننقسم من حولهم. هنا المثال: مساء ما قبل البارحة كتبت تغريدة شاردة عن الحقيقة التاريخية التي تقول إن للإمام علي، كرم الله وجهه، ولدين باسمي أبي بكر وعثمان وللحسين أبو بكر وعمر وعثمان، وللحسن أيضاً من الأبناء أبو بكر وعمر.

كتبتها لتأكيد ما أقوله دائماً ...إن الحروب والصراعات وعبث الانقسام المجتمعي، في كل الدنيا، تبدأ دائماً في مرحلة لاحقة من التاريخ عطفاً على القراءة الكاذبة للوقائع أو على تزوير قصة تتحول فيما بعد إلى ملحمة أسطورية مصطنعة. وإلا: كيف سنقرأ وجود هذه الأسماء بدلالاتها التاريخية في حياة الإمام وولديه، الحسن والحسين، وكيف سنقرأ أيضاً وجود اسم عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، اسماً لخمس من بنات خمسة من الأئمة الاثني عشرية ومثلهم خمسة أبناء باسم أبي بكر لخمسة أيضاً من هؤلاء الأئمة الكرام. كيف ستنطلي علينا كذبة الصراع بين هؤلاء العمالقة الأربعة إذا ما عرفنا أن علياً زوَّج بنته "أم كلثوم" إلى عمر بن الخطاب إلا إذا اتهمناه، حاشا لله، بالخوف أو التقية.

والقصة تكمن في أن هذه "التغريدات" بعاليه تحولت إلى نقاش عاطفي ديني وإلى سهرة مسائية من الردح والتصنيف بين "نواصب وروافض" بينما أنا طرحتها في الأصل للنقاش "الإبستمولوجي" الخالص لحقيقة تاريخية لا علاقة لها بدين أو فصيل أو مذهب. لست طائفياً على الإطلاق ولي تاريخ يشهد لي بالموضوعية وعدم الانحياز، وعلى العكس تماماً فأنا مؤمن بأن نقاش وتحليل مثل هذه الحقائق التاريخية في ما كتبته بعاليه يذهب إلى إطفاء جذوة الطائفية ونسف جذورها المزورة باستلهام القدوة والأنموذج من حياة وتاريخ هؤلاء الكبار الذين ننقسم من حولهم اليوم. ولعل من أغرب الردود على ما كتبت، ومساء ما قبل البارحة، هي تلك التي تتحدى أن يكون للإمام علي من الأولاد غير الحسن والحسين وكل ما زاد عنهما ليس إلا كذبة مصادر التاريخ.

هذا القول أو مثله يدعم ما ذهبت إليه من كذبة التاريخ وزوره فإذا وصل الشك إلى وجود "أحياء" عاشوا وإذا وصل تزوير التاريخ إلى الشك في الأنساب فكيف نصدق من بعدها آلاف القصص التي يحتاج جمعها ورصِّها إلى برج يناطح السحاب حول تلك الفتنة التاريخية. لكن الحقيقة تبقى أن هذه الأسماء موجودة في كل مراجع المذهبين وبطون أمهات كتبهم لكن أحداً لا يريد لهذه الأجيال أن تقرأ هذه الحقائق بدلالاتها المدهشة، لأنها ستنسف بحر الأدبيات المتلاطم الذي يقتات عليه البعض ويعيش عليه. خذ مثلا: لا أحد في الغالب يتطرق لموقف الحسن رضي الله عنه لأنه رؤية سياسية يصعب أن تلبسها الثوب الديني، فهل من يقول لنا إنه ليس من دم الحسين؟ وقد لا تتسع المساحة إلا للجملة الأخيرة: هناك في التاريخ دول ومنظمات لا تعيش إلا على "يوفوريا" الإلهام العاطفي والحشد الجماهيري عبر النسخة المزورة أو من خلال المسكوت عنه من ذات حقائق التاريخ.

&

&