&سمير عطا الله&&&

انتقد المؤرخ جان دايه مرة الشاعر جوزف صايغ لأنه أعاد نشر بعض أعماله الأولى معدلة ومنقّحة ومصحّحة. وغضب الشاعر من النقد كما هي العادة. ومن دون دعوة أو داع، تطوعتُ في هذه الزاوية وتبرعت للدفاع عن شرف الأصول والقواعد، وفي هذه الحالة حق المؤرخ على الشاعر وعلى القارئ.

كانت حصتي كالعادة من «العلقة» بين الرجلين، اللذين تجمعني بهما معرفة قديمة، اتصالاً غاضباً من الشاعر، وتجاهلاً من المؤرخ. لقد اعتقدت أنني أتخذ موقفاً مبدئياً في مسألة أدبية متكررة، لكن لا الغضب كان مبدئياً ولا التجاهل.

أقرأ الآن سيرة شاعر بلجيكا، هنري ميشو.

بدأ حياته شاباً غاضباً يسافر «ضد» حياته إلى أنحاء العالم. وصل إلى اليابان، فكره اليابانيين.

لكن عندما اعاد ميشو طبع مؤلفاته بعد نصف قرن، سحب منها الاشارات الغاضبة، واعتذر عنها. وعندما اعاد قراءة تلك المؤلفات، اذهله كم كان كارهاً بلا سبب. وعندما هاجمت الصحافة الارجنتينية كتاباته عن بوينس ايرس، فوجئ بعدم تحمل الارجنتينيين للملاحظات اللاذعة، بعكس اهل بلده الذي لم يكف عن انتقادهم، لكنهم قرروا منحه حرية الرأي. وانتقد جبران خليل جبران طويلاً اللبنانيين، وردوا بتكريمه على أنه اهم كتّابهم.

عندما تكتب غاضباً، فإنك تعكس غالباً حالتك النفسية، وليس الموضوع الذي تكتب عنه. وعندما تكتب شاباً فإنك فيك غليان لا قواعد له ولا حساب. ويقول النقاد أن بعض ما كتبه جان بول سارتر في بداياته كان أقرب إلى الضحالة من عبقرياته الفكرية الأخرى.

سألني الزميل عبد الغني طليس على تلفزيون لبنان نسبة الأشياء التي انا نادم عليها في عمري، وصعق عندا اجبت أنها 98%، فأضفت، وربما اكثر قليلاً. وأكثر الندم على الغضب والتسرع أو على السرعة في كتابة مواضيع كانت تتطلب المزيد من العناية والتمهّل.

ومنها، على سبيل المثال، المقال عن الخلاف بين جوزف صايغ وجان دايه. ربما كان الأفضل أن انتظر حتى اقرأ كيف صحح هنري ميشو في الطبعات المتأخرة ما ندم عليه في الطبعات الأولى.

&&