&&عبد المنعم سعيد&&&

قانون «جاستا» هو القانون الذي أقره مجلسا الكونغرس الأميركي للنواب والشيوخ، ويعطي الحق لأسر ضحايا العمليات الإرهابية لرفع قضايا ضد الدول التي تقوم بأنشطة داعمة للإرهاب. وصدر القانون رغم قيام الرئيس باراك أوباما بالاعتراض عليه مستخدمًا حق الفيتو استنادًا من ناحية إلى أن القانون الدولي يعطي حصانة سيادية للدول من المقاضاة وفقًا لقوانين دولة أخرى؛ ومن ناحية أخرى سياسية إلى أن القانون سوف يعوق من قدرة الرئيس الأميركي على إدارة السياسة الخارجية للدولة؛ ومن ناحية ثالثة عملية أن القانون سوف يضع الدولة الأميركية في موضع المعاملة بالمثل حينما يقوم مواطنون في دول أخرى برفع قضايا ضد ممارسات أميركية تفضي إلى عمليات إرهابية. ورغم قوة هذه الحجج، ورغم أن عددًا من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ كانت لهم اعتراضاتهم أو تحفظاتهم على القانون؛ فإن مجلس النواب تخطى نسبة الثلثين اللازمة لتجاوز الفيتو الرئاسي عندما مرر القانون بأغلبية 348 عضوًا مقابل 77؛ وكذلك فعل مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة حينما أيد القانون 97 عضوًا مقابل صوت واحد معترض. جرى إصدار القانون أثناء الذكرى الخامسة عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الإرهابية مما خلق موجة من التعاطف مع أسر الضحايا جعل مرشحي الرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب يؤيدان القانون.

ورغم أن العالم كله الآن يشهد حربًا ضارية ضد الإرهاب، وأن دولاً عربية وإسلامية تشارك بقوة في هذه الحرب، وأن المسلمين والعرب هم أول ضحايا الإرهاب بل إن 95 في المائة من قتلي الإرهاب مسلمون؛ فإن القانون واكبه - إعلاميًا وسياسيًا - تحديد دولة وحيدة يوجه لها القانون وهي المملكة العربية السعودية. والمدهش أكثر أن القانون صدر بعد مرور 15 عامًا على أحداث سبتمبر 2011 الإرهابية ودون اعتبار للعلاقات السياسية والاستراتيجية الوثيقة بين الرياض وواشنطن، ولا الاعتبارات العملية لإدارة الحرب ضد الإرهاب، ولا لحقيقة أن المملكة تتصدر هذه الحرب في الشرق الأوسط، ولا لواقع أن القانون قد صدر كما لو كان المقصود به التشهير بدولة عربية إسلامية حامية للأماكن المقدسة الإسلامية وراعية لعمليات المراجعة الكبرى والمواجهة مع الفكر الإرهابي. ومن الناحية القانونية البحتة فإن القانون يفتح أبواب جهنم القانونية لأن استخدامه لن يكون للتعامل القانوني مع وقائع وحقائق جنائية، وإنما، مهما كان الحديث عن نزاهة القضاء الأميركي، يقود فورًا إلى ممارسات سياسية تريد التشهير بالدول العربية والإسلامية بل وحتى الإسلام؛ وأخرى تريد إحراج الرئيس الأميركي عند تنفيذه التزامات أميركية مع الدول العربية تحت مظلة شعارات الرغبة في الهندسة السياسية للدول العربية.

الخلاصة أننا أصبحنا الآن أمام أوضاع قانونية وسياسية معقدة، تزيد من الواقع المعقد في الشرق الأوسط تعقيدًا، وتفسد بشكل كبير العلاقات الوثيقة بين الدول العربية عامة، والسعودية خاصة، والولايات المتحدة.

الوصول إلى هذه المحطة في العلاقات كانت له مقدماته في الجسد السياسي الأميركي الذي ظهرت عليه أعراض التحرك نحو اليمين، واليمين المحافظ بصورة خاصة. وأيًا كانت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن تصريحات دونالد ترامب ضد المسلمين لا تخصه فقط، وإنما هي تعبير عن تيار لديه معارضة لكل من يبدو مختلفًا في الشكل أو في القيم أو في اللون مع السائد في الولايات المتحدة. فعمليات القتل المتواترة للسود في المدن الأميركية، والاستنكار الكبير للأميركيين من أصول لاتينية، ثم المحاولات المستمرة لإلصاق الإرهاب بالمسلمين، والعنف بالإسلام؛ وأخيرًا تخصص الجمعيات ومراكز البحوث الأميركية في إدانة الدول العربية، ومصر والسعودية بصفة خاصة؛ كلها تقود إلى حالة هستيرية دفعت في اتجاه إصدار القانون بالصورة التي خرج بها، وفي التوقيت الذي صدر فيه.

ما العمل إذن للتعامل مع هذه الحقائق؟

أولاً: لا ينبغي الاستسلام لما يجري الترويج له الآن في الولايات المتحدة من أن القانون يمكن مراجعته بعد الانتخابات الأميركية، ليس فقط لأنه لا يمكن لهذه المراجعة أن تحدث بعد صدور قانون وافق عليه مجلسا الكونغرس بما يقرب من الإجماع؛ وإنما لأن موجة الهجوم على السعودية لا تزال في أوجها، وسوف يلهبها أكثر إعلام سوف يجعل من كل قضية مرفوعة في المحاكم الأميركية موضوعًا سياسيًا.

وثانيًا: لا ينبغي أيضًا الاستسلام للمنطق الغاضب الذي يريد رد الصاع صاعين للولايات المتحدة، ليس فقط لأن ذلك يفسد التحالف الدولي الراهن ضد الإرهاب؛ ولكن لأن الولايات المتحدة من الأهمية العالمية والعلاقات المتشابكة مع الدول العربية بحيث تفرض ضرورة التعامل معها بالحكمة اللازمة. المسألة ببساطة هي أنه لا ينبغي أن نقع في الفخ الذي يريد أعداؤنا في الولايات المتحدة الوقوع فيه.

وثالثًا: إن تنمية القوة الذاتية هي أولى خطوات تعديل موازين القوى بين العرب والولايات المتحدة؛ ويحدث ذلك بالتنمية وتنفيذ الخطط المستقبلية السعودية (2030) بدأب وصبر. ولن يقل عن ذلك أهمية دفع الدماء في عروق التحالف العربي داخل مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية، والدول العربية ذات الروابط الخاصة بالمملكة مثل مصر والمغرب والأردن.

لقد كان للموقف العظيم الذي وقفته المملكة ودول مجلس التعاون مع مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 أثر بالغ في تراجع الحملة الأميركية على مصر والتعامل الأميركي الواقعي مع الحالة المصرية. الآن فإن الهجمة شاملة، وتأتي في وقت حرج، كما أنها قابلة للتطور والتصعيد، حسب موجات التعصب والكراهية التي تصيب الشعب الأميركي كما تصيب دولاً أخرى من وقت لآخر.

ورابعًا: إن الجهد المبذول داخل الساحة الأميركية فيما يخص تصحيح الصورة العربية والإسلامية المشوهة، وإعلاء شأن المساهمة العربية الكبيرة في مقاومة الشيوعية في السابق والإرهاب في الحاضر، والدور الذي قامت به دول عربية في انتصار الغرب والولايات المتحدة في الحرب الباردة، فضلاً عن المساهمة الهائلة التي قدمتها الدول النفطية العربية، وخاصة السعودية، في المحافظة على توفير مصادر الطاقة والمحافظة على النظام الاقتصادي والمالي العالمي؛ كل ذلك لا يبدو له وجود. وأكثر من ذلك أن الأشواط التي جرى قطعها على طريق الحداثة والتحديث المادي والقيمي مع المحافظة على تماسك الدولة العربية في ذات الوقت لا يكاد يوجد له أثر لأن منهج التسويق السياسي العربي لا يزال قاصرًا ومحدودًا لأن المسألة لا يمكن حلها بالاعتماد على شركات للعلاقات العامة أو جماعات ضغط وإنما بالتأثير في العقول والقلوب التي تقود إلى طرائق التفكير الأميركية.

القوة الذاتية، والتضامن العربي الذي لا ينفك بعضنا عن محاولة تفكيكه لأسباب لا تليق بالموقف الراهن، والحركة السياسية الحكيمة داخل الولايات المتحدة وخارجها، هي مفاتيح التعامل مع قانون جاستا (JASTA) الذي يأخذ العلاقات العربية الأميركية، والسعودية الأميركية، إلى هوة سحيقة، تضيع عقودًا طويلة من العلاقات الوثيقة كان لها، ولا يزال، نتائج إيجابية على المصالح الاستراتيجية العليا للطرفين.

&&