نعمت أبو الصوف

&لقد حدث ما هو غير متوقع وتوصل وزراء "أوبك" في الجزائر إلى اتفاق مبدئي على تخفيض إنتاج النفط إلى نطاق يراوح بين 32.5 و33 مليون برميل يوميا، في محاولة لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط، وربما تحسين الأسعار، بعد أكثر من عامين صعبين مرا على منتجي النفط في جميع أنحاء العالم.&

الاتفاق على خفض الإنتاج في حد ذاته يعد إنجازا كبيرا، حيث يعد أول تخفيض للإنتاج منذ ثماني سنوات. لكن فعالية هذا الاتفاق الذي أبرم في الجزائر قبل نحو أسبوعين كوسيلة لتسريع إعادة التوازن إلى أسواق النفط ستعتمد على التنفيذ، الالتزام وعدد من التفاصيل المعقدة التي من المؤمل الاتفاق عليها في الاجتماع الوزاري المقبل للمنظمة في فيينا في الـ 30 من تشرين الثاني (نوفمبر). وهذه ليست بالمهمة السهلة نظرا للتجارب السابقة التي مرت بها المنظمة في هذا الجانب.

&بعد الإعلان عن هذا الاتفاق، استجابت أسعار النفط بشكل إيجابي وصعدت الأسعار نحو 6 في المائة، وتشير البيانات الخاصة بالمنظمة إلى أن التخفيض المقترح سيؤدي إلى إعادة التوازن إلى الأسواق بنهاية عام 2017. ولكن، إذا خفضت "أوبك" سقف إنتاجها إلى المستوى العالي من النطاق المتفق عليه، أي خفض إنتاجها بمعدل 250 ألف برميل في اليوم عن مستويات شهر آب (أغسطس)، فإن الأسواق لن تشهد إعادة التوازن حتى عام 2018.

&وتشير توقعات "أوبك" إلى أن العرض والطلب سوف يعودان إلى حالة التوازن إذا أنتجت المنظمة 32.5 مليون برميل في اليوم في النصف الثاني من عام 2016 وحافظت على هذا المستوى طوال عام 2017. هذا المستوى من الإنتاج من شأنه أن يخفض المخزون النفطي في النصف الثاني من العام المقبل، على الرغم من أن المخزون قد يرتفع في النصف الأول. لم تكن دول "أوبك" راضية عن وتيرة إعادة التوازن في إطار الاستراتيجية الجديدة للمنظمة التي اعتمدت في عام 2014، حيث إن إنتاج المنظمة ارتفع إلى 33.25 في الأشهر الثلاثة من حزيران (يونيو) إلى آب (أغسطس). وفي هذا الصدد قال رئيس "أوبك" للدورة الحالية - وزير النفط القطري، هناك الآن حاجة ملحة أكبر إلى ضمان عودة الأسواق إلى حالة التوازن في أسرع وقت ممكن.

&

وعلى الرغم من عديد من علامات الاستفهام حول الاتفاق، إلا أن الأسواق على ما يبدو متفائلة بأن "أوبك" على الأقل تحاول أن تفعل شيئا لدعم الأسعار. وفي محاولة لكسب الوقت، جعلت "أوبك" الوضع أصعب على المضاربين، الذين يدفعون التقلبات على المدى القصير. مع ذلك، فإن مستويات إنتاج الدول منفردة ستتم مراقبتها من كثب. من أجل إنجاح هذا الاتفاق، سيكون من المفيد إذا قامت "أوبك" بخفض إنتاجها بحلول شهر تشرين الثاني (نوفمبر). ولكن في الوقت نفسه هذان الشهران أعطيا لدول "أوبك" الوقت لرفع إنتاجها قدر الإمكان قبل أن تضطر إلى تجميده أو خفضه. ووفقا لبعض المحللين، إذا حدث ذلك، فإنه قد يشجع المضاربين على بيع مراكزهم مرة أخرى.

&

قفزة أسعار خام برنت إلى أكثر من 48.5 دولار للبرميل بعد وقت قصير من الإعلان عن الاتفاق في 28 أيلول (سبتمبر)، كانت نتيجة تغطية قصيرة الأجل لمراكزهم عن طريق شراء العقود الآجلة للنفط. في الحقيقة لم يقم المضاربون بإضافة أي مراكز، ولم يزيدوا رهاناتهم على ارتفاع الأسعار. من جهة أخرى، اتفاق الجزائر قد يكون زاد من مخاطر هبوط أسعار النفط، حيث إن الاتفاق نص على احتمال خفض سقف إنتاج المنظمة بين 200 و700 ألف برميل في اليوم من مستويات آب (أغسطس)، من دون أن يقدم خريطة طريق لتنفيذه. لذلك عدم تنفيذه قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط.

&

كانت المملكة العربية السعودية – المنتج الأكبر في المنظمة – جادة في التوصل إلى اتفاق في الجزائر، ولم تعارض إيران وليبيا ونيجيريا التي تحاول رفع إنتاجها بعد الحصار أو الاضطرابات الداخلية. ولكن لا تزال هناك حاجة لكل منها إلى تجميد الإنتاج، بدلا من خفضه، عند المستوى الذي لم يتفق عليه بعد. إمكانية قيام هذه البلدان برفع إنتاجها في الأشهر المقبلة يضيف ربما أكبر عناصر عدم اليقين إلى اتفاق الجزائر.

&

تشهد ليبيا أخيرا بعض النمو في الإنتاج، حيث ارتفع إلى نحو 500 ألف برميل في اليوم، لكنها تخطط للوصول إلى أكثر من مليون برميل في اليوم قبل أن تنضم إلى الاتفاق. نيجيريا التي شهدت هجمات أدت إلى خفض إنتاجها في الأشهر الأخيرة إلى 1.4-1.6 مليون برميل في اليوم، تأمل الآن أن تتفاوض مع المسلحين في دلتا النيجر لاستعادة 500 ألف برميل في اليوم من إنتاجها المتوقف حاليا.

&

تبقى إيران عدم اليقين الأكبر، خصوصا إذا ما رفضت المشاركة في أي صفقة حتى تصل إلى مستوى إنتاجها قبل فرض العقوبات عند أربعة ملايين برميل في اليوم. من الممكن أن تضيف نحو 100 ألف برميل في اليوم أو أكثر قليلا في هذا الشهر فوق مستوى إنتاجها الحالي المقدر بين 3.6-3.8 مليون برميل في اليوم، ولكن هذا سيبقى أقل من إنتاجها المستهدف. العراق، الذي كان مستثنى من اتفاقات إنتاج "أوبك" منذ تسعينيات القرن الماضي، أيضا يحافظ على معدلات إنتاج عالية، حيث وصلت صادراته في شهر أيلول (سبتمبر) من الموانئ الجنوبية فقط إلى 3.28 مليون برميل في اليوم.

&

في الواقع، الأسابيع القليلة المقبلة قبل مؤتمر المنظمة الوزاري في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) سوف تكون مثيرة للاهتمام. إذا ما تم تنفيذ قرار "أوبك" بحسن نية على الأقل سوف يمنع الأسعار من الانخفاض مرة أخرى ويمكن أيضا أن يجلب الدعم من بعض المنتجين من خارج "أوبك".