سمير عطا الله

من زمان لم نعثر على ضحكة في أي مكان، ولذا، فقد ضحكت طويلاً وأنا أشكر الحكومة الإثيوبية على البيان الذي يتهم مصر وإريتريا بالتآمر على بلادها. اعتدنا، كل هذا العمر، أن تكون «المؤامرة» إنجليزية، أو أميركية، أو صهيونية، أو إمبريالية. أما مصرية وإريترية؟ فهذا والله حدث حديث.

ولقد شعرت، والحق يقال، بالتعاطف مع الإنجليز. لم يعد أحد يتهمهم بشيء. ولا أعرف إمبراطورية تساقطت غصونها بالتسارع الذي حدث للأسد البريطاني. والآن، لن تعود بريطانيا حتى جزًءا من أوروبا.

كان البريطانيون يذهبون إلى مكان ما «بصورة مؤقتة»، ويدوم المؤقت نحو القرن، كما حدث مع مصر. وكانوا يعدون مراكبهم «ويحكمون البحار». سِّم أي بقعة في الأرض، تجد أنها كانت مستعمرة عند التاج. أميركا الشمالية هذه كانت مجرد مستعمرة عند الذين تسّمت بهم الآن. وقد ضحك وزير الخارجية دين آتشيسون من الإمبراطورية السابقة، قائلاً إنها «تحولت إلى دولة تبحث عن دور».

ذّكرني خروج بريطانيا من أوروبا بأن أبناء جيلي في الصحافة شهدوا أسرع زوال إمبراطوري في نصف قرن. كانت لا تغيب عنها الشمس، فصارت لا تشرق عليها إلا فوق الجزر البريطانية الأم. وكم صعب عليها أن تشرق هناك.

ُيخيل إلّي أن الحكومة البريطانية تشتهي في سرها أن ترى اليوم مظاهرة في أي مكان من العالم تهتف: «أيها البريطانيون، عودوا إلى دياركم»، أو «أيها البريطانيون، كّفوا عن التدخل في شؤوننا». 

إن وزير الخارجية الحالي لم يطق أن يبقى في أوروبا، وقد كوفئ على إخراج البلاد منها بحقيبة وزارية كانتُ تعطى لأعلى اللوردات. لم يبق من الإمبراطورية سوى الملكة إليزابيث الثانية، التي تبدو ملكات أوروبا من حولها وكأنهن وصيفات لها. ولا يزال التاج البريطاني إمبراطورًيا، رغم العودة إلى الحجم الذي انطلقت منه المراكب لإقامة أكبر وأعجب إمبراطورية في التاريخ. دولة صغيرة تحكم بالمهارة والمكر والصلف والبراعة و«المؤامرة» سلام وحروب الكرة الأرضية.

وحتى إذ تنسحب إلى شرنقتها الصغيرة بعيًدا عن البر الأوروبي، لا تزال هي العضو الدائم في مجلس الأمن، وليس ألمانيا بكل حجمها واقتصادها. ولا تزال لندن بورصة العالم الثانية بعد نيويورك، وليس الصين. وعندما َتَركت هونغ كونغ قبل سنوات، أنزل العلم البريطاني، وظن العالم أن الجزيرة ستهرع إلى الأرض الأم في الصين، لكنها أصبحت أكثر «بريطانية». وهو عالم متغير. أصبحت «المؤامرة» مصرية إريترية.