شملان يوسف العيسى

حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب ذو الاتجاه الإسلامي فوزا بحصوله على 125 مقعًدا في البرلمان الجديد، بينما حصل حزب الأصالة والمعاصرة العلماني المنافس على 102 مقعد في الانتخابات التي جرت في الأسبوع الماضي. ووفًقا للنظام الانتخابي في المغرب لا يمكن لحزب واحد الفوز بأغلبية مطلقة، الأمر الذي يجبر الفائزين على الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومات ائتلافية مما يحد من النفوذ السياسي للأحزاب. تجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي يقود المغرب منذ فوزه بالانتخابات البرلمانية المفتوحة بعد موافقة الملك محمد السادس على تحويل الحكم في البلاد إلى ملكي دستوري في عام 2011.

هذه الإصلاحات السياسية التي أدخلها الملك تسمح لكل الأحزاب بدخول الانتخابات وتشكيل الحكومة دون الانفراد بالسلطة وهذا يعني تشكيل حكومة ائتلافية بين الأحزاب الفائزة.

هذه الحقيقة أعطت الأحزاب السياسية الإسلامية فرصة تاريخية للحصول على الأغلبية الشعبية والتمتع بالشرعية القانونية.. السؤال هنا: ماذا يعني وصول التنظيمات الإسلامية للسلطة؟ وما هي الإيجابيات التي ستحصل عليها؟ وما هي التحديات التي ستواجهها في إدارة الحكم؟

من أهم الإيجابيات الحصول على الشرعية كما ذكرنا، لكن وصول هذه الأحزاب للسلطة سيخلق لها تحديات جديدة عليها إثبات جدارتها، ومن أهم هذه التحديات مدى إيمانها بالديمقراطية التعددية والعمل في بيئة سياسية مفتوحة لأحزاب لم تتعود على العمل المفتوح المكشوف؛ فهذه الأحزاب تعودت على العمل السري بسبب اضطهاد الأنظمة لها.. فالتنظيم الحزبي كان سرًيا ومغلًقا بتشكيل هرمي من الصعب كشفه، وأن القواعد الحزبية تعودت على الطاعة المطلقة للقيادة الحزبية وتفتقر للديمقراطية الداخلية ومن شعاراتهم «نفذ ثم ناقش». العمل السري سمح للأحزاب الإسلامية بفرصة لتوحيد صفوفها ووحدتها الداخلية.. بسبب سياسات
الملاحقة ضدها كمعارضة للأنظمة العربية.

التحدي الحقيقي للأحزاب السياسية الإسلامية هو تخليها عن الآيديولوجيا المغلقة التي تهدف إلى أسلمة القوانين وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية مثل حكم الخلافة الإسلامية.

تحولت الأحزاب الدينية في كل من تونس والمغرب بتغيير مفهومها السياسي الحزبي الضيق إلى آفاق الديمقراطية التعددية المفتوحة بالتركيز على العمل السياسي والابتعاد عن العمل الديني الوعظي، بمعنى إبعاد الدين عن سياسة الدولة. وقد حققت تونس إنجاًزا ديمقراطًيا بفوز حزب نداء تونس وهو حزب ليبرالي علماني بأغلبية مقاعد البرلمان.. وفوز التيار الإسلامي بالمركز الثاني اليوم ليشكل المعارضة؛ حيث يعمل الطرفان على تنمية اقتصاد تونس ومحاولة القضاء على البطالة وتحسين وضع الإنسان التونسي.

ما هي التحديات التي ستواجه حزب العدالة والتنمية في إدارة الدولة بعد فوزه بالانتخابات البرلمانية؟ أول المكتسبات بجانب الشرعية في الحكم هو التخلي عن عقلية الانفراد بالسلطة أو ثقافة الإقصاء للآخر، وهنا عليهم الدخول في مرحلة جديدة من التحالفات السياسية مع من كانوا يعارضونهم ويخالفونهم في السابق وهي الأحزاب اليسارية أو العلمانية.

من المتوقع أن تزداد شعبية التيارات الإسلامية وترسخ وجودها إذا حققت الوعود الانتخابية بالقضاء على البطالة في المغرب وتحسين الخدمات التعليمية والصحية ورفع مستوى المعيشة.. فالعمل العلني المفتوح سيغير الكثير من المفاهيم التي تبنتها الأحزاب السياسية الأخرى وسيفتح لها مجالات واسعة للتمدد وسيخلق لها قيًما ومفاهيم جديدة تبعدها عن التطرف والعنف والانغلاق الحضاري.

إننا لا نبالغ عندما نقول إن فصل أحزاب الإسلام السياسي بين النشاطين الديني والسياسي والابتعاد عن الخلط بينهما سيتيح المجال لهم للوصول للسلطة في أكثر من بلد عربي شرط توضيح طبيعة برنامجهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للرقي بشعوبهم وإدخالهم عصر الحداثة في القرن الحادي والعشرين.