عبدالله العوضي

السعودية في عهد الملك سلمان لا تشبه أي عهد من العهود السابقة إلا عهد الملك فيصل رحمه الله، فقد دفع حياته ثمناً لبقاء المملكة عزيزة مرفوعة الشأن، يكفي تحديه لأميركا في مقولته الشهيرة عندما قطع النفط عن أميركا «عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن وسنعود لهما»، وقال مخاطباً رئيس شركة التابلاين الأميركية «إن أي نقطة بترول ستذهب إلى إسرائيل ستجعلني أقطع البترول عنكم».

فيصل رحمه الله غرس بذور الانفتاح في المملكة متحدياً النزعة الأصولية الداخلية لبعض المشايخ، فنجح بذلك لفهمه متطلبات الواقع وتغيرات المستقبل، وجاء عهد سلمان لجني تلك الثمار مع ثمرات العهود الأخرى.

ولكن عهد سلمان غير كل العهود السالفة لأنه يتعامل مع أوضاع المنطقة والعالم من حولها في آن واحد وكأنها رزمة واحدة أو جعلت المشاكل في سلة واحدة، يراد من السعودية ومن ورائها دول الخليج حل عقدها وألغازها وآثارها التي لا تخفى عن عيني كل بصير بمجريات الأمور في العالم العربي الذي أغرقته موجة «الربيع» الغادر.
ما يدور في اليمن بالقرب من الحدود السعودية على مدار الساعة خير مثال على أن الفارق أكثر من أن يقارن بأي عهد مر على مسيرة المملكة السياسية، خاصة بعد اعتماد الخطة 2030 للنهوض الأكبر للسعودية في كل المجالات.

السعودية اليوم على محك عظيم واختبار سياسي واقعي أكبر يراد لها أن تلعب دوراً واضحاً في لملمة كل المشكلات التي نجمت عن بريق «الربيع العربي» الذي أصاب البصائر المبصرة بالعمى.

فأميركا في عهد الملك فيصل عادت من جديد في صورة أخرى تتحدى بها السعودية باسم الـ«جاستا» كوسيلة ضغط تحقق أميركا من ورائها مآرب أخرى لا تخفى وعلى رأسها إعطاء النفوذ الإيراني الحق في العبث بمقدرات المنطقة عبر إثارة النعرات الطائفية التي لم تكن للسعودية يوماً يد فيها وهي التي مدت يد السلام إلى طرفي المعادلة الحربية التي أدارت حرب ثماني السنوات العجاف بين إيران والعراق، والتي أحرق فيها أكثر من تريليون دولار أميركي وأكثر من مليون إنسان ذهبوا وقوداً لحصب الحرب القذرة التي لم تتعافَ المنطقة من آثارها السلبية حتى اللحظة.

السعودية غير كل الأيام السالفة، فهي المستهدفة قبل غيرها من دول الخليج لأن العالم يعلم جيداً أنها رأس حربة في الخليج وقبلة الإسلام السمح في العالم أجمع.

وهو ما يغيظ إيران أولاً وأخيراً لأن السعودية لم تبد أي نبرة طائفية وإن كانت سُنية تجاه الدولة الشيعية الاثنا عشرية في إيران ولا تجاه الشيعة قاطبة في العالم، وهذا ما يراد تفخيخه للتناحر بين الطوائف كلها وليس السُّنية والشيعية فقط، وإن كان السُّنة الذين تتعامل معهم إيران منذ قيام الثورة هم الفئة الأكثر استضعافاً وفق الرؤية الفارسية لأنهم في نظرها من دون دولة تدافع عنهم حول العالم، مثل ما تفعل إيران، بل وتعبث في هذا المكون الطائفي لإشعال المزيد من ثقاب التوترات في كل المجتمعات العربية وليس السعودية فحسب.

وها هي طهران في اليمن تنفث سمومها عبر القناة «الحوثية» وفي سوريا عبر الطائفة «العلوية» وفي لبنان عن طريق «حزب الله» المعطل لسير الدولة اللبنانية نحو الأفضل، والعراق المحتل من قبل «سليماني» بإذن من الحكومة العراقية الشيعية وليست العربية، التي كان «البعث» يعتز بها في سالف العهود السابقة، فما لم تفعله «الحرب الإيرانية العراقية» الأولى قامت به فلول «الحرس الثوري الإيراني» ومليشيات «الحشد الشعبي» التي تنتظر صك الحصانة المطلقة من بوابة البرلمان، للاستمرار في سفك دماء الأبرياء باسم دعم «داعش» بالإرهاب المضاد الذي أصبحت نتائجه أفظع من ممارسات «داعش» وإخوانه في طريق الإرهاب.

فالسعودية بحاجة أولاً إلى الخليج كله لكي يقف وقفة رجل واحد لشد عزمه وعزيمته والحفاظ على حياضه والذود عنها في وحدة الموقف والصف مما هو قادم رغم قوة دفعه وضغطه.

والحاجة ماسة أيضاً وبإلحاح شديد إلى مصر العروبة رأس حربة الأمة العربية التي لم تتوان دول الخليج قاطبة في الوقوف معها وقفة رجل واحد لإخراجها من فم «التنين الإخواني» لتقف على رجليها من أجل الدفاع وليس عما يدور في الخليج من مقررات علنية ضده، بل عن الأمة العربية والإسلامية اللتين يراد لهما تقديمها قرباناً لإيران وبأبخس الأثمان.