الأزهر والليبراليون وتكفير داعش

 قدرى حفنى

يواجه الأزهر فى الفترة الأخيرة موجات متتالية من الانتقادات؛ ومن المفهوم أن توجه تلك الانتقادات ممن ساءهم وقوف فضيلة الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر فى صدارة تلك الصورة التاريخية لمشهد 30 يونيو، و ذلك بصرف النظر عن اختلاف وجهات النظر بشأن مشاركة الرموز الدينية فى العمل السياسي.

غير أن ما يستوقف النظر هو اتجاه تيار من الأصدقاء التقدميين التنويريين الثوريين الليبراليين للسير فى ركاب تلك الموجة من الهجوم؛ رغم أن العديد منهم يعتبرون أنفسهم من أنصار بل وأصحاب مشهدى 25 يناير و30 يونيو. 

لا أعرف لماذا يأخذ هؤلاء الأصدقاء على الأزهر إحجامه عن تكفير داعش؟ ألا يعنى ذلك الدعوة لتأكيد سلطة الأزهر فى التكفير؟ وسلطته فى إضفاء غطاء دينى لقتل الكفار؟. 

إن أحكاما بالإعدام تصدر بشكل متواتر من قضاتنا المدنيين ومنهم قضاة مسيحيون بطبيعة الحال ويشترط قانوننا المدنى أن يصدر الحكم بالإعدام بإجماع آراء أعضاء المحكمة ويلزم استطلاع رأى فضيلة المفتى قبل الإقرار النهائى للحكم ويكون رأيه استشاريا أى أن المحكمة قد تأخذ به أو تلتفت عنه. وعلى أى حال ففى حدود ما أعلم لم يصدر قط فى تاريخ القضاء المصرى أن صدر حكم إعدام بتهمة الكفر؛ بل إنه عند تنفيذ حكم الإعدام فى مواطن مسلم تستدعى إدارة السجون شيخا يطلب من المقضى بإعدامه النطق بالشهادتين ثم يتم إعدامه بعد أن يوقن الجلاد أنه يقوم بإعدام مسلم ناطق بالشهادتين. التكفير إذن ليس شرطا لقتال وقتل المعتدي؛ كما أن الإسلام لا يبرر تقاعسا يحول دون ذلك. 

ترى والأمر كذلك كيف ندعو إلى تأكيد سلطة الأزهر فى التكفير العقائدى ونحن ننادى بدولة مدنية؟ فارق كبير بين الحكم بالتكفير على كائن من كان ووجوب قتال المعتدى كائنا من كان. الحالة الأولى لصيقة بالدولة الدينية أما الثانية فلصيقة بالدولة المدنية؛ ومن ثم فإن إحجام الأزهر عن تكفير داعش باعتبارهم مسلمين - وهم كذلك بالفعل - ولكنهم بغاة قتلة يجب قتالهم. ترى ما الذى يعنينا بعد ذلك كدعاة لمدنية الدولة من الإصرار على تبين الرؤية الفقهية فى قتال داعش؛ وهل نقاتلهم باعتبارهم كفارا أم باعتبارهم بغاة؟ بل ما الذى يعنينا من التمييز بين المذاهب السنية وبعضها والتمييز بين أهل السنة والجماعة و الأشاعرة وغيرهم والحكم الفقهى فى اعتبار الوهابية مذهبا خامسا يضاف للمذاهب السنية الأربعة أم أنها دعوة إلى العقيدة السلفية وتجديد لما درس من معالم الإسلام والتوحيد فى الجزيرة العربية. ولا ينفى شيء من ذلك أن مؤسسة الأزهر كبقية مؤسساتنا تحتاج بالفعل إلى إصلاح ولكن ذلك الإصلاح المطلوب والضرورى لا يعنى أبدا الإصرار على منحها سلطات هى رافضة لها بالفعل أعنى سلطة التكفير والدعوة لقتل الكفار. 

إننى لا أجد حرجا فى التعبير عن إحساسى بالألم لصدور أحكام بالسجن على الأستاذ إسلام بحيرى والأستاذة فاطمة ناعوت ومن قبلهما الحكم بالتفريق بين الدكتور نصر أبوزيد والسيدة الفاضلة زوجته (1996) وقبل كل هؤلاء ما تردد بشأن شهادة أحد الأزاهرة بشأن اغتيال الدكتور فرج فودة (1992) 

حين نقبت عن شهادة الشيخ محمد الغزالى فى محاكمة قتلة الدكتور فرج فودة وجدت أنه لم يمثل أمام المحكمة ممثلا للأزهر بل أن من انتقاه بالذات للشهادة ربما لمناظرته الشهيرة مع المرحوم فرج فودة هو محامى المتهم الأول أشرف سعيد إبراهيم صالح، والأهم أن المحكمة لم تأخذ بهذه الشهادة التى كان ينبغى وفقا لها تبرئة المتهمين. 

ولما لم أكن متخصصا فى القانون فقد لجأت إلى من أثق فيهم من قامات وطنية شامخة فى ذلك التخصص وسألت سؤالا محددا «ترى هل على القاضى أن يستطلع رأى الأزهر ولو بصفة استشارية فى قضايا ازدراء الأديان كما يحدث فى أحكام الإعدام؟» فكانت الإجابة القاطعة «بالطبع لا» 

وقد يتساءل البعض ولماذا يظل الأزهر صامتا لا يعلن عن رأيه فى ذلك القانون؟ ألا يعبر هذا الصمت عن موافقته؟ ولا ينتبه هؤلاء الأصدقاء المتسائلون إلى أنهم مع كل التقدير لنواياهم الطيبة إنما يدفعون بنا إلى دولة دينية متكاملة الأركان بدفع الأزهر للتدخل فى شئون قضائنا المدنى . 

الأمر إذن من بدايته إلى نهايته موكول لقضائنا المدنى ولتلك المادة الشهيرة الخاصة بتجريم ازدراء الأديان والمكان الصحيح للتعامل معها هو مجلس النواب بما له من سلطة تشريعية؛ ولا أرى مطلوبا من مؤسسة دينية فى دولة نسعى أن تكون مدنية أكثر مما صدر عن الأزهر بالفعل بل لعله تجاوز دوره الدينى قليلا حين كان جزءا أساسيا من مكونات مشهد 30 يونيو؛ وقد ساند ومازال تصدى قواتنا المسلحة على الحدود وفى المدن لتفجيرات ورصاصات من يرفعون رايات إسلامية سنية. وعلى الأزهر أن يستمر فى القيام بدوره الأساسى لتو ضيح أن هؤلاء الإرهابيون إنما يؤولون النصوص القرآنية والأحاديث النبوية تأويلا خاطئا يدفع بهم إلى سفك دماء الأبرياء وانتهاك الحرمات إلى آخره.