سلمان الدوسري

المشاهد التي نقلتها وكالات الأنباء للآليات العسكرية لـ«القوات العراقية» وهي تتقدم معركة الموصل رافعة شعارات طائفية، تكشف الحقيقة السوداء لصورة يُراد تجميلها بشكل بدائي ومكشوف، وفعلنا الصورة تغني عن ألف كلمة، ففي الوقت الذي يتّحد العالم فيه لطرد تنظيم داعش من معقله في العراق، هناك من يصرّ على مشاركة الميليشيات الطائفية بطريقة غير مباشرة في اقتحام المدينة، وكأنه كتب على الأبرياء أن يقعوا بين فكي «داعش» والحشد الشعبي، وأن يتعرضوا لنفس الانتهاكات الفظيعة التي جرت على المدنيين في الفلوجة وتكريت والرمادي. وعندما تعتبر الميليشيات أن جميع سكان المدينة والبالغ عددهم نحو 2.5 مليون نسمة «دواعش» وأهداف مشروعة للمهاجمين، فلن تكون مفاجأة إذا تكررت الكارثة الإنسانية، لكن هذه المرة ستكون بشكل أبشع، نظرًا لضخامة عدد سكان الموصل، مقارنة بالمدن الأخرى التي تم دحر «داعش» منها.
من الواضح أن «داعش» وهو يتلقى الخسارة تلو الأخرى سيطرد من الموصل شرَّ طردة، حتى لو كانت المدينة الملاذ الآمن الأخير له في العراق، فقدرة التنظيم على احتلال المدن ستزول، وسيتحول تدريجيًا إلى أحد التنظيمات الإرهابية التي ابتليت بها المنطقة وتمارس إرهابها في السر والعلن.
المعضلة ليست في الحرب ضد بضعة آلاف من الدواعش متوقع هزيمتهم، المشكلة الحقيقية ستظهر بعد تحرير الموصل، نظرًا للسياسات الطائفية التي ورثتها حكومة حيدر العبادي من سلفه نوري المالكي، والتي غدت أكبر من قدرة الحكومة العراقية على السيطرة عليها، فالميليشيا تدين بالولاء للنظام الإيراني وتتحكم فيها طهران للدرجة التي تجعل قاسم سليماني يقود معاركها، كل هذه المخاوف تنذر بكارثة إنسانية على المدنيين في الموصل وتسبب قلقًا للمجتمع الدولي بأكمله، وهو ما ترجمه اجتماع باريس الذي التأمت من خلاله 20 دولة - بينها تركيا والولايات المتحدة ودول الخليج، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية - للتحضير للمستقبل السياسي لمدينة الموصل مع البحث عن ضمان لحماية السكان المدنيين في المدينة والقرى المجاورة وتقديم المساعدة الإنسانية، وإن كانت كل هذه الاجتماعات لن تفضي إلى نتائج إيجابية طالما الأرض تتحكم فيها الميليشيات، إلا أنها تقر بأن المشكلة ليست فقط في طرد «داعش»، وإنما أيضًا في أعقاب خروجه من المدينة وسيطرة الميليشيات الشيعية المتطرفة عليها.
ما أقسى معاناة المدنيين في الموصل، من يتخيل مئات الآلاف تحت طائلة العقاب والانتقام، يحملون جريرة جرائم قام بها 5 آلاف مقاتل داعشي حكموهم بالحديد والنار، لا شك أن منتسبي التنظيم سيختلطون بالسكان المحليين بعد هزيمتهم، وسيرتدون ملابس غير التي يرتدونها وينخرطون بين المدنيين، وهنا ستتكرر الانتهاكات التي جرت سابقًا، بل ربما الأسوأ سيشهدها قضاء تلعفر التي يقطنها خليط من الشيعة والسنة والتركمان، في ظل سعي إيران لتعميق نفوذها، عن طريق الحشد الشعبي بالطبع، الذي أعلن بكل صفاقة أنه سيتصدر القوات العسكرية التي ستقود معركتها، وهنا من يستطيع التفريق بين الداعشي والمواطن العادي؟ وهل يمكن الوثوق بميليشيات لديها آلاف الأسباب للانتقام، عندما تبدأ عمليات التحقيق والتدقيق وفق أسس عدوانية وطائفية؟!
كـ«المستجير من الرمضاء بالنار»، هكذا حال الموصليين الواقعين تحت احتلال الدواعش، وكأنه كتب عليهم الوقوع بين مطرقة «داعش» وسندان الحشد، من يدري ربما تكون سيطرة الميليشيات مقدمة لحرب طائفية قاسية تشهدها الموصل ثم تنتقل لما حولها، في ظل تقاعس الحكومة العراقية عن تحديد الجهة التي ستتولى إدارة شؤون المدينة في أعقاب تطهيرها، وهل العالم قادر على استيعاب هجرة أكثر من مليون شخص، في حال تأكدت المخاوف من حالة عدم الاستقرار التي ستتعرض لها المدينة؟!
الأخطاء تتكرر، والأزمة تتعمق، والطائفية تتسع، وفيما العالم يواصل حربًا لا هوادة فيها ضد «داعش»، يغض النظر عن ممارسات الحشد الشعبي وكأنها ليست إرهابية ولا يحزنون. ستظل المعركة مع الإرهاب قاصرة وضعيفة وعاجزة طالما ينظر للإرهاب بحسب طائفته؛ إن كان سنيًا حورب بقوة وعزيمة، وإن كان شيعيًا فالمسألة فيها نظر وألف خط أحمر.