باسم الجسر 

 سؤالان كبيران ارتفعا بعد إعلان زعيم كتلة «المستقبل» في لبنان، سعد الدين الحريري، ترشيحه للجنرال عون لرئاسة الجمهورية؛ الأول هو: هل سيتم انتخاب الجنرال بإجماع وطني من كل القوى السياسية في نهاية هذا الشهر؟ أم أن معارضة جديدة سوف تنشأ بعد خلط الأوراق السياسية المفاجئ في لبنان؟ أما السؤال الثاني - والأكبر - فهو حول تأثير وصول الجنرال عون، حليف حزب الله وبالتالي النظام السوري، والمعارض لاتفاق الطائف، والمصر على استعادة دور رئاسة الجمهورية الممثلة للمسيحيين سياسيًا في ثلاثية الحكم، كما كان قبل اتفاق الطائف والدستور الذي انبثق عنه. في الكلمة التي ألقاها في بيت المستقبل بعد حضوره إليه إثر إعلان الحريري تأييد انتخابه، حرص الجنرال على طمأنة مستقبليه وخصومه لمدة عشر سنوات، بأنه كرئيس سيكون لجميع اللبنانيين، طوائف وأحزابًا ومناطق. قد تكون تلك نيته أو عربون شكره للفريق السياسي المختلف معه منذ عقدين بعد أن انتهى بتأييده لترشيحه للرئاسة. ولكن ماذا بالنسبة لما يجري في سوريا؟ ماذا بالنسبة لمشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري؟ ماذا بالنسبة لتأليف أول حكومة في عهده؟ وكيف سيكون توجه النواب في ترشيحهم لشخص رئيس الحكومة المقبل؟ وماذا بشأن الفرز الجديد للقوى السياسية الموالية والمعارضة له؟

من الراهن أن خريطة القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب سوف تتغير، وأن قسمًا كبيرًا من النواب السنة بمن فيهم بعض أعضاء كتلة المستقبل - وربما كتلة الرئيس بري قد يتحولون إلى معارضين. وهذه التحولات لا بد من أن تؤثر على اللعبة الديمقراطية البرلمانية التي بات اختيار رئيس الحكومة يفترض حكمًا إجراء استشارة نيابية ملزمة معها. فهل سيحترم الرئيس العتيد هذه القاعدة الجديدة لتأليف الحكومات التي نزعت من رئاسة الجمهورية (المسيحية) حرية تعيين رئيس الحكومة والوزراء، كما كان معمولاً به قبل اتفاق الطائف؟
لقد اكتسح التيار العوني الانتخابات في جبل لبنان ذي الأكثرية المسيحية مرتين، لرفعه شعار إعادة الطوائف المسيحية - ودور رئيس الجمهورية ممثلها في الحكم، إلى مستوى التوازن مع الطوائف المسلمة الذي فقدناه بعد اتفاق الطائف، فهل سيطوي «الرئيس» عون هذه الصفحة التي يعرف أنها تتطلب تعديل الدستور وأن تعديل النظام الدستوري الذي انبثق عن هذا الاتفاق سوف يصطدم بمعارضة المسلمين، سنة وشيعة ودروزًا، ولن تتوقف عند مجرد معارضة سلمية؟ وماذا سيكون موقف الرأي العام المسيحي منه إن هو طوى هذه الصفحة وحكم كما حكم الرؤساء السابقون منذ عام 1990؟ أي باحترام الدستور وميثاق الطائف؟
المشكلة الحقيقية إذا ما وصل الجنرال إلى الرئاسة قد لا تكون داخلية فقط، بل إقليمية. فما لم تحسم «معركة المعارك» في سوريا وما لم تتخلَّ إيران عن مشروعها السياسي - المذهبي في المنطقة، وما لم تفتح صفحة جديدة من الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن حول الشرق الأوسط وتحسم الحرب على الإرهاب، فإن لبنان سيبقى ضحية لكل تلك النزاعات المحتدمة فوقه وحوله وعليه أيضًا. وحتى لو كانت أزمات الحكم المستعصي حلها في لبنان أخف بكثير مما تعاني منه سوريا والعراق واليمن وليبيا، فإن الاقتصاد اللبناني بات على حافة الانهيار، بسبب فوران المنطقة وتعطيل مؤسسات الحكم فيه.
ومن هنا فقط يمكن أن نفهم أو نتفهم بادرة الرئيس الحريري في تبني ترشيح الجنرال عون للرئاسة، علها تعيد للمؤسسات الدستورية دورها المعطل أو شبه المعطل، وهو يعلم بأن بعث الحياة في هذه المؤسسات قد يكلفه خسائر سياسية، لا سيما وريثًا للزعامة السنية عن والده، وربما مرشحًا أول لرئاسة الحكومة، ولا شك في أنها خطوة جريئة بل تضحية كبيرة.
مع العلم بأن كل هذه المآلات والاحتمالات ما زالت مضاربات فكرية سياسية، وأن كل الكلمات لم تقل بعد.