عبد الحميد صيام

 نيويورك (الأمم المتحدة) «القدس العربي»: منذ نحو شهرين ونحن هنا في مقر الأمم المتحدة نثير مسألة تحرير الموصل مع المسؤولين الأممين والمخاوف التي تعتري مثل هذه العملية المعقدة التي تشترك فيها أطراف عديدة قد تختلف أهدافهم وتكتيكاتهم. وها قد بدأت المعركة ببطء يوم الإثنين الماضي والتي أطلق عليها رئيس الوزراء العراقي «قادمون يا نينوى». وفر إلى خارج الموصل لغاية الآن أكثر من أربعة آلاف شخص من الأحزمة الخارجية التي يبدو أن سيطرة التنظيم عليها رخوة بسبب إعادة الانتشار أو التمركز حسب الخطط الدفاعية. استطاعت القوات العراقية أن تستعيد ثلاث مدن رئيسية تعرضت للاحتلال من قبل تنظيم «الدولة» وعندما تم طرد التنظيم منها تعرضت إلى تدمير هائل وهي تكريت والرمادي والفلوجة. وأظهر تحرير تكريت الذي إستكمل في 31 اذار/مارس 2015 نجاحا نسبيا للحكومة العراقية في إعادة سكان المناطق السنية التي تستردها من التنظيم، حيث عاد إلى المدينة نحو 150 ألف شخص في غضون بضعة أشهر، ولكن العائدين وجدوا أنفسهم داخل مدينة تعجز عن توفير أبسط الخدمات، خاصة أن التنظيم دمر أجزاء مهمة منها بما في ذلك المستشفى الرئيسي وزرع المدينة بالعبوات المتفجرة. 
وبالنسبة للرمادي الذي استكمل في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير الماضي فقد كان الدمار عظيما بسبب القصف العراقي الشامل للمدينة. فبعد عشرة أشهر على إعلان الحكومة العراقية تحرير الرمادي، لا تزال أجزاء من المدينة غير ملائمة للعيش فيها بسبب القنابل وغيرها من مخلفات الحرب الخطرة المخبأة تحت الأنقاض أو داخل المدارس والمستشفيات والمنازل الخاوية. وتقدر الأمم المتحدة أن تصل تكلفة إزالة هذه المتفجرات إلى 200 مليون دولار بينما من المتوقع أن تصل تكاليف إعادة الإعمار إلى مليارات الدولارات.
أما مدينة الفلوجة فقد تعرضت للتدمير بنسة أقل من الرمادي عند تحريرها الذي استكمل بتاريخ 26 حزيران/يونيو الماضي. فالقصف العشوائي الذي شنته ميليشيات «الحشد الشعبي»، بجانب القتال المحتدم الذي اندلع خلال الأسابيع الأخيرة من الهجوم، حوَّل أجزاء من المدينة إلى دمار. لكن القصة لم تنته بعد التحرير. فقد قامت قوات الحشد الشعبي بالسيطرة على الموقف تحت سمع وبصر الحكومة التي أعلنت أن هناك ممرات آمنة للمدنيين لتبين أن تلك الممرات كانت تؤدي بالفارين من جحيم التنظيم أو من القصف العشوائي إلى أيدي الحشد الشعبي. وقامت قوات الحشد بنفسها بعملية التمحيص والتدقيق في الخارجين من المدينة وتعرض العديد منهم إلى الإعدامات الميداينة أو الحجز أو الاختفاء القسري. وقامت مجموعة بتسليم نفسها لقوات تلبس زي الجيش والشرطة فأعدموا ميدانيا وما زال 73 فردا من القبيلة مختفين كما جاء في تقرير «منظمة العفو الدولية» الذي نشر يوم أيام. وقامت قوات الحشد الشعبي باعتقال 1300 شخص من بلدة الصقلاوية قرب الفالوجة وأعادوا منهم 600 إلى القوات الرسمية وآثار التعذيب عليهم. وقد أقر 470 منهم بأنهم تعرضوا للتعذيب وما زال نحو 700 مختفين وكلهم ينتمون للعشائر السنية. معركة الموصل أكثر تعقيدا ويشكل تحريرها، تحدياً حقيقيا في ضمان سلامة المدنيين الذين يقدرون بـ 1.2 إلى 1.5 المليون.
وقد أثرنا هذا التخوف مع كافة المسؤولين الأممين. وردت السيدة ليز غراندي على هذا التخوف قائلة: «إن من بين الدروس التي تعلمناها من الفلوجة أن تقوم قوات الأمن العراقية بعملية التحقق والتدقيق في المدنيين. واتفقنا كذلك على تسريع عملية التدقيق وبحضور مراقبين من طرف ثالث. قدمت لنا قوات الأمن العراقية ضمانات بأن المدنيين سوف تتم حمايتهم. سيتم إطلاق التحذيرات مع بداية العملية العسكرية، وتحضير بطاقات تعريف خاصة لتسهيل مرور المدنيين والتعريف بالطرق الآمنة للهرب وتحضير المواصلات وتمييزها ووضع الأعلام البيضاء للتعرف على المناطق الآمنة».
وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، أعرب عن قلقه البالغ إزاء سلامة المدنيين في مدينة الموصل وضواحيها بعد أن أعلنت القوات العراقية بدء عملية التحرير. وأكد أن نحو مليون ونصف المليون «قد يتأثرون من جراء العمليات العسكرية الهادفة إلى إستعادة المدينة من داعش، فالقتال قد يدفع بأكثر من مليون للهرب من منازلهم. وقد يستخدم تنظيم الدولة عشرات بل مئات الألوف من المدنيين المحاصرين تحت سيطرتهم كدروع بشرية».
وأعدت الأمم المتحدة عددا من مخيمات اللجوء تكفي لإيواء 60 ألف شخص والعمل جار على إنشاء مزيد من المخيمات تتسع لربع مليون شخص كما أن مواد غذائية تكفي لـ 220،000 شخص جاهزة للتوزيع بالإضافة إلى 240 طنا من المواد الطبية. 
المعلومات التي ترد إلى مقر الأمم المتحدة من مصادر عديدة تؤكد أن قوات الحشد الشعبي أعدت قائمة طويلة بأسماء الأشخاص الذين سيتم إعتقالهم وتصفيتهم من الموصل. وتقول مصادر إن هناك نوايا بتخفيف عدد سكان السنة من المدينة كما حدث في بغداد فهم يعرفون أن بعض المهاجرين خارج الحدود لن يعودا إلى ديارهم في ظل التحريض الطائفي وإستهداف قيادات المكون السني بحجة التآمر مع «داعش» أو الانتماء لحزب البعث المحظور. وقد صدر فرمان مؤخرا بعدم السماح لعودة محافظ الموصل أثيل النجيفي إلى ممارسة مهماته وقد يعين أحد العسكريين على الأقل في فترة ما بعد التحرير. 
قد تشهد الموصل أكبر كارثة إنسانية من صنع الإنسان، حسب تصريح المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فيليبوغراندي. لكن التخوف الحقيقي لدى المسؤولين هنا هو في وقوع مجازر في صفوف سكان المدينة والتي تقطنها تاريخيا غالبية سنية. وقد يجد المجتمع الدولي نفسه عاجزا عن منع مجزرة أخرى على طريقة ما يجري في حلب وهو ما يعطي زخما لنظرية المؤامرة التي تقول لم يكن إنسحاب الجيش العراقي من الموصل عام 2014 إلا من أجل هذا النوع من التحرير.