عبد الرحمن الراشد

 في حين تتجه الأنظار والأخبار للمعركة شبه المحسومة سلفًا في مدينة الموصل العراقية ضد تنظيم داعش الإرهابي، تتأهب مدينة حلب السورية لمصيرها بعد رفض الروس والإيرانيين الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وإخراج المحاصرين من مدنيين ومسلحين.
في حلب، هناك الجيش السوري الحر الذي يرابط بضع مئات من مقاتليه داخل أحياء في المدينة، مع مقاتلين من فصائل مسلحة أخرى، إضافة إلى مقاتلي «جبهة النصرة»، التنظيم الإرهابي الذي يقاتل الجميع. تقابلهم قوات تتجمع منذ أشهر لجأت إلى عملية التدمير الشامل للأحياء من أجل إفراغها من السكان بالقتل، أو بالطرد، من أجل المعركة الفاصلة والاستيلاء على المدينة الأهم في حرب سوريا.
هل المعركتان؛ الموصل وحلب، خاتمتا الحرب العراقية على تنظيم داعش، والحرب السورية الأهلية؟
أستبعد ذلك.
مشكلة البلدين تكمن في طبيعة النظام السوري، وممارسات النظام العراقي. ونتيجة لاستمرار التهميش والإقصاء، قد يتم «تنظيف» مدينتي الموصل وحلب من المسلحين، سواء بالطرد أو بالقتل، ولاحقًا سنسمع عنهم في مدن ومحافظات أخرى. استيلاد، وظهور جماعات مقاتلة ليس صعبًا في ظل حكم نظامين عاجزين عن التغير والإصلاح. هذه حرب أهلية تعكس الوضع العام، وليست حربًا مع جماعات أجنبية يمكن التخلص منها بسهولة. السنة العرب هم عشرون في المائة من سكان العراق، وأربعون في المائة مع بقية المكونات السنية الأخرى. كيف يمكن التخلص من عشرة ملايين مواطن؟ أو تهميشهم؟
في سوريا، السنة ثمانون في المائة من السكان، أي أكثر من عشرين مليون نسمة، حتى لو شرد منهم خمسة أو عشرة ملايين، تظل البقية أغلبية ساحقة!
نظام العراق البرلماني يتجه أكثر نحو الحكم الطائفي، الذي سينتهي به الأمر في مرحلة ما بعد تحرير الموصل، إلى أن يقزّم العراق إلى دولة أصغر مساحة وأقل استقرارًا. أما سوريا بعد تطهير حلب من معظم أهلها؛ لا المقاتلين فيها فقط، فسينتقل فيها القتال إلى مدينة أخرى، وستستمر المعارك، لأنه لا يوجد حل سياسي نتيجة إصرار الإيرانيين على التمسك بالرجل المسؤول عن كل هذه الدماء، كما هم متمسكون بـ«حزب الله» حاكمًا غير مباشر في الجارة لبنان، الذي تسبب في عشرين عامًا من عدم الاستقرار فيه. الفارق أن سوريا دولة كبيرة، وجغرافيًا تقع في الوسط؛ تؤثر أحداثها عرقيًا وطائفيًا وحزبيًا على جيرانها، مثل تركيا والعراق ولبنان.
دعوهم، في العراق وسوريا، يهيئون للاحتفال بـ«تحرير» الموصل وحلب، ونحن ندرك أنها ستكون احتفالات قصيرة، وبعدها ستعود المعارك والتحالفات والملاحقات ضد الوطنيين الغاضبين، والإرهابيين العالميين المستفيدين من التربة الخصبة، وستستمر توترات المنطقة.
الآن، حول الموصل طوق كبير من القوات المتعددة الجنسيات، والجنرالات المتشوقين للظهور أمام تلفزيونات بلدانهم، والسياسيين المتنافسين على ادعاء الفضل بالانتصار شبه المؤكد، ووسائل الإعلام الدولية التي تعرف سلفًا نتيجة المعركة، ومثل بقية السياسيين، ليس مهمًا لها معرفة ماذا سيحدث لاحقًا.
حربا الموصل وحلب معركتان أخريان في صراع طويل لن يستقر دون مشروع سياسي عادل.