مطلق بن سعود المطيري

أقبح ما في الاحتلال الأمريكي للعراق انه اختصر تاريخ بلاد الرافدين في فترة مابعد سقوط صدام حسين وسقوطه 2003، فقد مسح كل ما له علاقة بالإرث الحضاري الممتد إلى عصر ما قبل التاريخ الميلادي، وماتبعه من التاريخ الإسلامي، فكل هذا التراكم التاريخي العظيم تم تجاوزه وهدمه بيد لم تعرف شرف التاريخ المحافظة عليه..

الإنسان العراقي هو محصلة نهائية لكل الحضارات التي عرفتها بلاده، من أساطير وأديان ولغات ومصالح، فأصبح بها العراق كلدانياً وآشورياً وتركمانياً وكردياً وعربياً، ودياناته صابئة وإسلامية ومسيحية وايزيدية، مجتمع عرف كل أشكال الحكم العسكري والقبلي والملكي والديكتاتوري، فتعايش معها بتماسك وحضارة وإنجاز، ولم يعرف الحكم الديمقراطي إلا مع الاحتلال الأمريكي 2003، ولكي تكون الديمقراطية نظام حكم حديث تم إلغاء كل التاريخ السابق، وتم إعادة اكتشاف المجتمع العراقي الديمقراطي، الذي اختصر في مذهبين إسلاميين شيعة وسنة، وباقي المجتمع عمالة سائبة في السوق الديمقراطي.

فطهران تنسجم تماماً مع هذا التقسيم بحكم المذهب، فمشاركتها السياسية في إدارة شؤون العراق تعد تاريخاً يجب ما قبله، وهذا السابق هو العراق المتنوع الأعراق والديانات، فالمسيحي العراقي حقوقه السياسية أصبحت شيئا من الماضي الذي تم شطبه، وهكذا باقي العرقيات باستثناء السنة والشيعة، فالسنة وفقا للتاريخ الأمريكي للعراق، جزء من الشيعة وليس الشيعة جزءا منهم، أي انهم ينتسبون لنفس العشائر والعوائل، ولكنهم يختلفون مذهبيا، وبالتالي انتماؤهم المذهبي جعلهم عائقا في وجهة المشروع الاستراتيجي الامريكي الايراني في العراق، لهذا اصبح وجودهم في العراق وجود محتلين يجب التخلص منهم، وهذا لن يتم إلا بمبرر يحمل وجاهة أخلاقية ومنفعة سياسية، وهذا المبرر هو أن داعش سني المذهب وأتباعه من جنسيات متعددة، فهو اليوم بحكم المحتل، ولكن كيف يتم التفريق بينه وبين أهل الموصل، فالمذهب نفس المذهب والعدو مشترك "إيراني" الفرق بينها تعرف طهران وواشنطن جيدا أو ربما هما من صنع هذا الفرق، الذي لا يجمع داعش مع أهل الموصل أكثر من تفريقه بينهما.

الاختلاف بين شيعة واشنطن وسنة داعش، سوف يتضح بالنتيجة النهائية لتحرير الموصل من الجماعات المتطرفة، فمليشيات الحشد الشعبي سوف تستقر بالموصل، كسكان أصليين وفقا للتاريخ العراقي الجديد الذي بدأ 2003، وأهل الموصل سوف يبحثون لهم عن انتماء وطني جديد خارج أرضهم التاريخية القديمة، وواشنطن ربما جنودها في الموصل هم من سوف يلقي القبض على زعيم داعش أبو بكر البغدادي، وتكون بهذا حققت نصراً عالمياً لم يسبقها عليه إلا هي ذاتها عندما قضى جنودها على أسامة بن لادن في باكستان ورموا جثته في البحر، وبهذا يكون السيد أوباما انتصر على الإرهاب وهذا مجد لا يعادله مجد، ناله بمساعدة طهران والحشد الشعبي.