سالم حميد

منذ أن وجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، باعتبار عام 2016 عاماً للقراءة في الإمارات، تفاعلت كل القطاعات الرسمية والشعبية في الدولة لإنجاح هذه المبادرة الحضارية التي تعاطت مع أزمة القراءة في العالم العربي بشكل عملي بعيداً عن التنظير والشكوى، بعد أن ظل الحديث عن أزمة القراءة يشغل النخبة العربية في مختلف الأقطار دون الشروع في محاولة معالجتها. وعملت مبادرة الإمارات على تحريك المياه الراكدة وأنجزت الكثير على صعيد إعادة الاعتبار للكتاب، وشهدت مناطق الدولة على مدار العام الجاري الكثير من الأنشطة الخلاقة في مجال إعادة فعل القراءة إلى صدارة الاهتمام لدى كل فئات المجتمع. وتم تنظيم العديد من ورش القراءة والندوات والمحاضرات إلى جانب فعاليات كبرى استضافتها الإمارات، آخرها مؤتمر دبي للترجمة، الذي تضمن عشرات من الورش والندوات ومناسبات توقيع الكتب، وأوصى في جلسته الختامية بتأكيد جوهرية الترجمة، باعتبارها الوسيلة الرئيسة للتبادل الثقافي والمعرفي والعلمي بين اللغات.

لقد أصبح نمط الحياة اليومية في وقتنا الحاضر مجافياً للصبر على القراءة العميقة والاستئناس بأمهات الكتب، وتحولت التكنولوجيا ووسائط الإعلام والاتصال الحديثة إلى عائق لدى البعض من حيث استنزاف الوقت والابتعاد عن منابع المعرفة التقليدية التي لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة. لكن فعاليات عام القراءة حققت تفاعلاً غير مسبوق، وشجعت الحملة الإعلامية المستمرة التي واكبت عام القراءة على نفض الغبار عن المكتبات، وكان لطلاب المدارس نصيب كبير من أنشطة هذا العام، وهذه الشريحة الحيوية في المجتمع عندما يعاد غرس عادة القراءة في وجدانها ستضمن في المستقبل استمرار فعل القراءة ليصبح جزءاً من النشاط اليومي المعرفي لأجيال المستقبل.

واكتسب عام القراءة في الإمارات أفقاً حضارياً وإنسانياً، نظراً إلى ما تمثله القراءة من أهمية في مسار بناء معرفة الفرد والمجتمع، وفي مسار تكوين الشخصية المبدعة التي تلمّ بأشتات الثقافة والعلم وتجعل من الوعي الثقافي معياراً للتفوق وصقل التجربة والانفتاح على المنجز المعرفي المحلي والعربي والعالمي. كما تبلور الأفق الحضاري لعام القراءة في الإمارات من خلال تجاوز الأنشطة للساحة المحلية إلى المجال العربي الأوسع عبر إطلاق مشروع تحدي القراءة العربي لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي. ونحن على مشارف انتهاء العام يمكن القول بأن الغاية من هذه المبادرة قد تحققت، وأن تفعيل القراءة واعتبارها ركيزة من النشاط اليومي لن يتوقف بانتهاء السنة، لأن متعة القراءة واقتطاف ثمار المعرفة سوف تصبح عادة إيجابية مستمرة لدى كل الذين تفاعلوا مع أنشطة عام القراءة. كما أن عام القراءة لم يمر من دون النظر إلى مستقبل القراءة من حيث الاستدامة، فمثل عام 2016 فرصة في الإمارات لإعداد إطار وطني شامل لإحداث تغيير سلوكي في مجتمعنا وتخريج جيل قارئ مطّلع وترسيخ الإمارات عاصمة للمحتوى والمعرفة.

وعلى المستوى التشريعي وجّه صاحب السمو رئيس الدولة، في وقت سابق بإعداد قانون للقراءة في الدولة تحت مسمى «قانون القراءة» والذي يهدف إلى ضمان استدامة جميع الجهود الحكومية لترسيخ القراءة في الإمارات ضمن كل الفئات والأعمار وتحديد المسؤوليات الرئيسة للجهات الحكومية في هذا المجال. كما تم الإعلان عن السياسة الوطنية للقراءة في الإمارات. واعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الاستراتيجية الوطنية للقراءة حتى العام 2026 والتي تتضمن 30 توجهاً وطنياً رئيساً في قطاعات التعليم والصحة والثقافة وتنمية المجتمع والإعلام والمحتوى. ومن ثمار عام القراءة أيضاً على مستوى السياسات الحكومية اعتماد صندوق دعم القراءة بقيمة 100 مليون درهم لدعم كل الأنشطة القرائية خصوصاً لجمعيات النفع العام والجهات التطوعية. إلى جانب مجموعة من المبادرات الوطنية ومنها تخصيص مجلس الوزراء شهراً في كل عام للقراءة وتوزيع حقيبة معرفية على كل المواليد المواطنين في الإمارات والتوجهات لإثراء المحتوى القرائي الوطني ومراجعة سياسات النشر في الدولة لتعزيز ودعم الناشرين المواطنين وتضمين القراءة الاختيارية ضمن المناهج التعليمية وضمن تقييم المؤسسات التعليمية وغيرها من المبادرات.

ونختم بما قاله صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، حين أكد سموه أن «دولة الإمارات انتقلت خلال العقود السابقة من دولة تسعى لمحو الأمية لدولة تسعى للمنافسة العالمية في المجالات التقنية والعلمية.. والقراءة والمعرفة هما المفتاح للتفوق والمنافسة».