ماكس سيدون من لندن وليونيل باربر وكاترين هيلي من موسكو

عندما تولت ألفيرا نابيولينا منصب محافظ البنك المركزي الروسي، واجهت إحصاءات مؤلمة: أدرج المنظمون ما يصل إلى 150 مصرفا شاركت بانتظام في تعاملات مشبوهة.

اليوم، بعد تطهير غير مسبوق استمر ثلاثة أعوام للزوايا المظلمة من القطاع المالي الروسي، تقول نابيولينا إن ذلك الرقم انخفض إلى "ما لا يزيد على نحو عشرة مصارف".

محافظة البنك المركزي، التي أشاد بها أخيرا الرئيس فلاديمير بوتين لـ "جهودها النشطة (ضد) اللصوصية"، تخبر "فاينانشيال تايمز" في مقابلة في مقرها الكلاسيكي الجديد في موسكو، المقابل لمسرح البولشوي، قائلة: "ما يسعدنا هو أن الناس يدركون أن العقاب أمر لا مفر منه للذين لا يحترمون القانون. المصرفيون عديمو الضمير تتم معاقبتهم وإدخالهم إلى السجن، وهذا أمر مهم لتجنب حدوث ذلك مرة أخرى".

ظاهريا، هناك القليل مما يميز نابيولينا الدمثة البالغة من العمر 52 عاما التي تقود حملة قوية ضد الممارسات المالية الخاطئة. فمنذ توليها المنصب أغلقت 276 مصرفا وأخضعت 28 مصرفا آخر لبرنامج إعادة تأهيل تابع للجهاز التنظيمي.

نابيولينا محبة الأوبرا التي تنتمي إلى التتر والتي تستطيع قراءة الشعر الفرنسي من الذاكرة، خدمت وزيرة للاقتصاد قبل أن يختارها بوتين لقيادة البنك المركزي في عام 2013. بعد ذلك بوقت قصير دخلت روسيا في عامين من ركود نتج عن انخفاض أسعار النفط وعقوبات غربية بسبب أزمة أوكرانيا، الأمر الذي وضعها تحت ضغط كبير للتخلي عن نهجها التقليدي. لكن في حين أن كثيرا من محافظي البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم يلجأون على نحو متزايد إلى التدابير غير التقليدية لإطلاق النمو، تلتزم نابيولينا بأسلحتها في السعي الثابت لتخفيض معدل التضخم.

ويرى كثيرون الآن أنها ساعدت في الحفاظ على اقتصاد روسيا بعيدا عن حافة الهاوية. يقول أحد كبار المصرفيين الروس: "إنها خبيرة الاقتصاد التي يثق بها بوتين أكثر شيء".

في مواجهة انتقادات من المصرفيين الغاضبين بشأن التنظيمات الصارمة وأسعار الفائدة المرتفعة، يخفي مظهر نابيولينا المتواضع ونظارتها الشفافة إصرارا فولاذيا على الانضباط المالي الصارم.

تقول: "النظام المصرفي عاد بالكامل إلى الربحية. هذا تقريبا المستوى نفسه كما كان قبل الأزمات المختلفة التي بدأت في نهاية عام 2014. لم نفعل ذلك من خلال تجاهل بعض المشاكل، نحن نشدد رقابتنا".

نابيولينا أعادت تنظيم الموظفين في البنك المركزي هذا الشهر، في خطوة تقول إنها ستسمح للجهاز التنظيمي بتحديد المشاكل قبل وقوعها ومنع المصارف من تزوير الحسابات في مواجهة أزمات السيولة.

سياساتها كانت جيدة للغاية في مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية في روسيا منذ أن تخلفت البلاد عن سداد التزامات الديون الخاصة بها في عام 1998. أسعار النفط، المصدر الرئيسي للنمو السريع في روسيا في العقد الأول من وجود بوتين في المنصب، بدأت في الهبوط بعد عام من توليها المنصب، ما أدى إلى أزمة عملة في كانون الأول (ديسمبر) 2014 أوشكت أن تدفع العملاء لسحب أرصدتهم من المصارف.

وعلى مدى بضعة أسابيع متقطعة، أنفقت نابيولينا 12 مليار دولار من الاحتياطيات، في محاولة فاشلة لدعم الروبل. وعلى الرغم من أنه بلغ أدنى مستوياته التاريخية، إلا أنها هزت الأسواق مرتين في غضون أيام: أولا من خلال زيادة أسعار الفائدة بمقدار الضعف تقريبا إلى 17.5 في المائة، ثم من خلال التحول فجأة إلى التعويم الحر للعملة قبل أسابيع مما كانت تنوي في الأساس. لكن الآن ينظر إلى نهجها على نطاق واسع على أنه ساعد روسيا ـ التي تحصل على نصف إيرادات ميزانيتها من النفط والغاز ـ على التخفيف من انخفاض دخلها والحفاظ على عجز صغير نسبيا بنسبة 3 في المائة.

تقول: "نحن ننفق بعض الاحتياطيات لتهدئة التوقعات النفسية في السوق. عندما أدركنا أن الاتجاه مع أسعار النفط كان على المدى الطويل، تحولنا إلى التعويم الحر".

تجاوز تلك العاصفة علمها، كما تقول، دروسا مهمة في إدارة الأزمات. "الأمر الأكثر أهمية هو ألا نكون متحجرين فكريا، وأن نتمتع بالمرونة والتناسق. هناك الكثير من الضغط والانتقاد عند وجود أزمة، لكن لا يمكننا الانتباه للجزئيات وتجاهل الصورة الكلية".

بوتين يدعم نابيولينا لمتابعة هدف يعتبره الكثيرون في موسكو خياليا: تخفيض معدل التضخم إلى 4 في المائة بحلول نهاية العام المقبل. ولأن أسعار الفائدة لا تزال "ضئيلة إلى حد ما"؛ 10 في المائة، انخفض معدل التضخم بالفعل من 17 في المائة إلى 6.4 في المائة خلال أقل من عامين.

تقول محافظة البنك المركزي إن هدفها هو كسب ثقة الشعب بالسياسة النقدية. "نحن لن نحافظ على أسعار فائدة أعلى لأننا نحب ذلك، لكن لأننا عازمون على تخفيض معدل التضخم. التضخم المنخفض أمر جيد للاقتصاد الروسي". لكنها تعترف: "لم نتمكن من إقناع الجميع بعد".

وترفض فكرة أن أسعار الفائدة المنخفضة كان من الممكن أن تساعد روسيا على العودة إلى النمو بشكل أسرع، معتبرة أن وصفاتها القاسية هي النهج الوحيد القابل للتطبيق في الأوقات الاقتصادية الصعبة - حتى إن لم تكن كافية بمفردها.

تقول: "العوامل التي سمحت بنمو الاقتصاد في الماضي تغيرت. هناك حاجة إلى تغييرات هيكلية من شأنها المساعدة في نمو الإنتاجية، بغض النظر عما هي السياسة النقدية".