حبيب الصايغ

يتوجّه النواب اللبنانيون يوم غد (الاثنين) إلى مجلس النواب العتيد لانتخاب رئيس جديد تم التوافق عليه من معظم مكونات المجلس والتيارات السياسية اللاعبة والمؤثرة في الساحة اللبنانية ، وهو العماد أو الجنرال ميشال عون، فكم تكون جلسة الانتخاب التي طال انتظارها إيذاناً بمرحلة جديدة أو عصر لبناني مختلف يحقق آمال اللبنانيين في وطن حر وعيش كريم؟
لبنان حالة أو ظاهرة متفردة على مستوى العرب والعالم، فهذا البلد الصغير لجهة الجغرافيا وعدد السكان والمقدرات المادية ، كبير وكبير جداً في روحه وتاريخه وحضارته، وهو إلى ذلك يمتلك من التنوّع ما كان يمكن تجييره لمصلحة الوطن وتقدّم الشعب عبر تقوية المؤسسات ووضع تشريعات ضامنة للحرية والعدالة والمساواة ، وتحقيق تنمية ملائمة، تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية، وخصوصاً سياسية بحجم النقاش المحتدم في الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية، وكذلك الشعبية، فلبنان من البلاد النادرة التي لا يتردد فيها سائق التاكسي مثلاً في خوض حوار سياسي محكوم بانتماء حزبي أو طائفي أو زعائمي غرائزي، وفي أندر الحالات، مستقل.
ولأن لهذا البلد إرثه السياسي والاقتصادي المتراكم والثقيل، فمن العبثي «تبسيط» كنه وتداعيات جلسة الغد. التبسيط هنا استسهال وتسطيح، والعقدة ليست في مخاض ما قبل جلسة الانتخاب فقط، وليست في الجلسة فقط. العقدة تمتد إلى ما بعد ذلك، ولا يخفى على المتابع أن الحل الذي طرأ أخيراً هو مفاجئ وغير مفاجئ في الوقت نفسه، ولا عجب. ألسنا في بلد المتناقضات؟
ما أن أيّد حسن نصر الله أمين عام ما يسمى حزب الله ترشيح عون للرئاسة، أو في الأصح، ما أن أعلن التأييد مجدداً الأسبوع الماضي، حتى أخذت الأحداث المؤدية إلى اكتمال نصاب جلسة الانتخاب تتسارع، ووسط المجريات المتسارعة حرص العماد عون على زيارة نصر الله شاكراً، وفي وقت لاحق على زيارة وليد جنبلاط الذي أعلن بعد تشويق مدروس كعادته، أن معظم نواب الحزب التقدمي الاشتراكي يؤيدون ترشح «الجنرال»، فيما بدا حتى الآن أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يؤيد ترشيح الوزير سليمان فرنجية، وفيما أيّد زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الجنرال منذ وقت مبكر ، يوم تنازل جعجع نفسه عن الترشح، بقي موقف حزب الكتائب وآل الجميل على حاله ، وقرّروا وضع أوراق بيضاء في جلسة الغد.
كما أن لبنان متفرد في شؤونه الكثيرة، فهو متفرد في ديمقراطيته القائمة أساساً على مبدأ المحاصصة، والتي تفقد معانيها ومقاصدها بسبب من ذلك، وها هي الحالة العراقية تتجلى، مطلع كل نهار، كشاهد بليغ. لقد أسهمت المحاصصة في إيصال لبنان، وبشكل دائم، إلى صورة الدولة الهشّة القابلة للانفجار أو الانهيار السياسي، بحيث أصبح الفراغ السياسي ممكناً نتيجة التجاذبات وتداعيات الاستقطاب داخلياً وخارجياً، فيما الأصل، نحو تأسيس الدولة الوطنية تأسيساً مستمراً، وبالتالي مدها بأسباب القوة، أن يكون الشعب اللبناني نفسه، وليس أي أحد آخر، صاحب كل قرار مهما صغر، فما بالك بقرار مصيري كانتخاب رئيس الجمهورية؟
ديمقراطية لبنان خاصة وخصوصية جداً، فالطبخة التي طال انتظارها لن تبلغ جلسة الانتخاب إلا في حالة النضج، والتسوية، بكل أركانها، لا بد أن تكتمل في الكواليس وعبر زيارات الحوار والمجاملة قبل الجلسة، بما في ذلك الاتفاق على رئيس وزراء العهد الجديد، ليدخل سعد الحريري في الصفقة من أوسع أبوابها، مقابل موافقة تيار المستقبل، المنقسم لهذه الجهة حتى الآن، على انتخاب العماد عون، «رئيس الضرورة» على حد تعبير الحريري، الأمر الذي يقبله نصر الله على مضض، ومعلوم أن العداوة بين الطرفين وصلت إلى أقصاها في السنوات الأخيرة، ووصلت إلى الشتائم والقذف العلني، خصوصاً بالنسبة للموقف من النظام السوري الذي تورط حزب الله في الحرب على الشعب السوري إلى جانبه.
ما الذي تغير الآن بعد أن كرست معادلة ميشال عون - سعد الحريري كعنوانين للعهد الجديد في لبنان؟
لم يتغير شيء، هذا إذا اعتبرنا إعلام الطرفين مرآة عاكسة لما يريان، وهو قطعاً كذلك. إعلام تيار المستقبل ما زال يجرم حزب الله والعكس صحيح، فإعلام الحزب يتخذ الموقف نفسه من الحريري وجماعته.
السؤال الآن: هل بقي 14 آذار و8 آذار؟ ليس لغزاً. ليست مزحة، لكنها الحالة المتفردة لوطن يستحق الأفضل اسمه لبنان.
أما السؤال المحوري، ولبنان يتجه إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية بمباركة ما يسمى حزب الله، وبالتالي نظام الولي الفقيه في إيران، فيتصل، لا محالة، بمستقبل لبنان والمسافة التي يتيحها الوضع الجديد لتدخلات إيرانية جديدة في لبنان ومقدراته. 
إن حلم اللبنانيين في وطن حر مستقل وعيش كريم يتبخر مع استمرار ما يسمى حزب الله المصنف إرهابياً على مستويات عربية ودولية في لعب أدواره المريبة المشبوهة، وأخشى ما يخشاه المراقبون تكريس وجود حزب الله كدولة مسلحة داخل الدولة، وكميليشيا لا تتورع عن مشاركة النظام السوري في إجرامه ضد مواطنيه، كما لا تتردد في توجيه سلاحها الإيراني أو الممول من طهران إلى صدور اللبنانيين أنفسهم، كما حدث في السابع من مايو/أيار 2008، يوم قرر مجلس الوزراء اللبناني مصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله، ما بشر يومها بنذر حرب أهلية.
إن على الأشقاء اللبنانيين، وهم الشعب المثقف والواعي، إدراك ذلك والحذر منه، والعمل معاً من أجل رفض أي مخطط إيراني أو خارجي، وعدم الترويج بعد ذلك ل«بطل المقاومة» المزعوم، الذي أعلن من دون خجل وعلى رؤوس الأشهاد، أن خطابه المؤيد للحوثي في اليمن جهاد أعظم من الحرب على «إسرائيل»، والتمسك بعروبة لبنان واستقلاله الحقيقي، وحتى لا تعتبر هذه الدعوة مثالية أو طوباوية في عصر اختلاط وقلب المفاهيم، فهي موجّهة أولاً إلى أركان الحكم الجديد في لبنان، بحكم التعامل الموضوعي مع الواقع، وليعلم اللبنانيون، بل ليؤكدوا ما علموا منذ فجر العلاقة الأخوية الحميمة: قلوب العرب بكم وعليكم ومعكم، وقلوب وعقول وإمكانات عرب الخليج معكم، لذلك لا بد من المصارحة نحو لبنان الأخضر الجميل والحضاري الذي في البال، لبنان العروبة والتعدد والتعايش، لا لبنان التشرذم والانقسام والارتماء في أحضان أعدائه وأعداء العروبة.