احمد عياش

 ما كان للحدث السياسي الذي غيّر لبنان منذ إعلان الرئيس سعد الحريري دعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية أن يشق طريقه لو لم تكن مبرراته أكبر وأفعل من حجج تعطيله. وهذا ما إستمع اليه مليا أعضاء كتلة "المستقبل" من الحريري نفسه. فهل من قراءة موضوعية لهذا التحوّل؟
من تابع عن كثب الجهود التي بذلها زعيم "المستقبل" منذ إنتهاء ولاية الرئيس الاسبق ميشال سليمان منذ قرابة عاميّن ونصف العام تبيّن له ان الحريري لم يوفر بابا إلا وطرقه كي يصل الشغور الرئاسي الى نهايته، لدرجة ان هناك من رأى ان الحريري يغالي في "مارونيته". أما الحريري، الذي أطل منذ نحو عام ليشرح مخاطر الشغور عندما برر ترشيحه النائب سليمان فرنجية، عاد مساء امس الى الشرح ذاته لكن مع التنويه بإن الاخطار تعاظمت فكان لا بد من فتحة في جدار الشغور بتأييد ترشيح عون.
في آب الماضي، صارح الحريري الرئيس بري بإنه لم يعد في وارد الانتظار الى ما شاء الله إذا لم يحسم فريق 8 آذار موقفه من ترشيح فرنجية. وأقترح على بري من باب تسهيل الامور ان يجري التعهد، ولو بعد فترة معقولة، ببت ترشيح فرنجية. وعندئذ سيكون الحريري مستعدا لتمديد فترة الانتظار.لكن دعوة الحريري لم تجد آذانا صاغية. حتى ان فرنجية نفسه لم يبادر مرة واحدة الى النزول الى البرلمان لملاقاة من رشّحه.
قبل أسابيع قليلة تبلّغ المصرف المركزي من صندوق النقد الدولي ان المصرف على وشك إجتياز الخط الاحمر في الاحتياط النقدي الاجنبي. وكان على المصرف إما أن يترك السوق يقرر القيمة الفعلية لليرة وهي في الوضع الراهن تعني ان سعر صرف الدولار يتجاوز الـ6 الاف ليرة. وإما أن يستمر المصرف في الدفاع عن السعر الحالي وهذا ما حصل فكانت خطوة الهندسة المالية التي أدت الى إقتراض ملياري دولار من الخارج بفائدة غير مسبوقة هي 25 في المئة لحماية الليرة.
لم يكن لبنان أقرب الى خطر تجدد الحرب الاهلية على خلفية الشحن المذهبي أكثر مما كان عليه هذه الايام. ولا يغيب عن المسؤولين ان هناك مئات الالوف من اللاجئين السوريين ممن تجاوزوا عمر الـ25 خضعوا للخدمة العسكرية قبل ان يغادروا جحيم الحرب في بلادهم.والحرب إذا ما نشبت في لبنان أيضا فلا يعود هناك ما يمنع ان يزج بهؤلاء في الحريق الجديد.
عندما تسقط الحواجز التاريخية بين مكونيّن مارونيين كبيريّن هما "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" صار واضحا ان الارضية باتت جاهزة للافتراق الطائفي كلما صار إستحقاق الرئاسة الاولى عصيا على ملاقاته من القيادات الاسلامية.ولم يكن الكلام الذي تصاعد حول إحتمال العودة الى مشروع إسقاط حكومة الرئيس تمام سلام في الشارع سوى اول الغيث... إن مبادرة الحريري تثبت ان القصة كبيرة جدا.