سابين عويس

 في خضم الاستعدادات الجارية لجلسة الانتخاب الرئاسي الاثنين المقبل، شكلت زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثائر السبهان لبيروت واللقاءات التي عقدها مع عدد كبير من المسؤولين والقيادات السياسية، والمدة التي سيمضيها في بيروت، حدثا في حد ذاته لما يحمله من دلالات مهمة على محوري الاستحقاق الرئاسي من جهة والعلاقات اللبنانية السعودية من جهة أخرى. فللزيارة في توقيتها ومضامينها أكثر من رسالة موجهة في أكثر من اتجاه، لكن أهم ما حملته برز في اتجاه الطائفة السنية التي تعتبر السعودية مرجعها وراعيها في لبنان.

فزيارة الوزير السعودي هي الأولى لمسؤول سعودي رفيع للبنان والتي حملت طابعا سياسيا منذ انتخاب الرئيس ميشال سليمان رئيسا للجمهورية عام 2008، وهي الأول من نوعها بعد الجفاء الذي ساد العلاقات اللبنانية - السعودية عقب موقف وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في الجامعة العربية في تشرين الثاني الماضي.
وتأتي الزيارة في توقيت دقيق وسط غموض كان يلفح الموقف السعودي من مبادرة الرئيس سعد الحريري تبني ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، وعدم وضوح حيال ما إذا كانت المملكة تبارك هذه المبادرة أو أنها سلمت لبنان الى المحور الخصم الذي تخوض ضده المملكة أعنف المعارك السياسية والعسكرية في أكثر من بلد عربي.
ورغم أنه كان مقلّا في الكلام أو في التصريح رغم غزارة اللقاءات التي عقدها، كان واضحا لدى كل من قابلهم أن المسؤول السعودي يحمل رسائل واضحة يمكن اختصارها بالآتي:
- تأكيد الحرص على أهمية تماسك السنة في لبنان، وهذا ما يفسر شمول الزيارة غالبية القيادات السنية ولا سيما منها تلك التي كانت معارضة لخيار الحريري أو متوجسة من لجوء زعيم "المستقبل" إلى تبني هذا الخيار وما يمكن أن يحمله من تداعيات أو مخاطر، لكونه يشكل انتصارا لمحور "حزب الله" ومن يقف خلفه، وكسرا للمحور السعودي الذي بدا للسنّة أخيرا أنه ابتعد عن لبنان وتركه.
- إن المملكة حريصة على أن تتضامن القوى السنية، لأن الانقسام ممنوع والتشرذم لحسابات سياسية أو خاصة في هذه المرحلة غير مقبول. وهذا الموقف يلتقي مع دعوة مماثلة برزت في أوساط 8 آذار مشيرة الى أهمية إحاطة الحريري وعدم تركه وحيدا وسط بيئته. وهذا ما يفسر أيضا الموقف الجامع الصادر عن كتلة "المستقبل" أمس والداعم بشكل تام للحريري ولخياره، بعد انقسامات سادت في الفترة الماضية حول هذا الخيار.
- تجديد تمسك السعودية بوثيقة الطائف دستورا للبنان، في معرض الرد على كل ما أثير في الفترة السابقة عن توجهات نحو مؤتمر تأسيسي يعيد النظر في النظام اللبناني، علما أن في الاوساط العونية من جاهر أخيرا بأن انتخاب عون أسقط المؤتمر التأسيسي. وينتظر أن يورد عون في خطاب القسم تمسكه بالطائف.
- الحفاظ على الاستقرار الداخلي والمساهمة ليس في إيصال مرشح معين إلى سدة الرئاسة بل في إنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس بقطع النظر عن هويته، ما دام حظي بتوافق عدد كبير من اللبنانيين عموما والمسيحيين في شكل خاص.
وعليه، ينتظر أن ترسم زيارة السبهان ملامح مرحلة جديدة من التعامل السعودي مع لبنان. وأول ملامح هذه المرحلة رفع الحظر السياسي والاقتصادي بما يعيد لبنان الى حضن الخليج ويعيد الخليج اليه، علما أن المسؤول السعودي لم يتحدث مباشرة او صراحة في هذا الموضوع، لكنه أكد دعم المملكة للبنان وعدم تخليها عنه.
هل هذا يعني طي صفحة سوداء في تاريخ العلاقات بين البلدين؟
من المبكر الجواب عن هذا السؤال، لكن ما بات أكيدا أن صفحة جديدة فتحت، وأن التسوية اللبنانية جاءت في غفلة قبل اكتمال عناصر التسوية في المنطقة، وإن كانت ستكون مقدمة لها، وان التوازن الاقليمي الذي حكم الملف اللبناني لا يزال قائما. فاحتفال فريق بوصول مرشحه إلى سدة الرئاسة الاولى، يقابله احتفال مماثل لدى الفريق الآخر بعودة مرشحه إلى رئاسة السلطة التنفيذية.