كرم الحلو

كعادتهم في الاحتفاء بزعمائهم التاريخيين، هلل اللبنانيون وزغردوا ورفعوا الأعلام والرايات احتفالاً بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، خصوصاً أن الرئيس العتيد يتمتع منذ عقود بكاريزما استثنائية وصلت لدى بعض مريديه إلى حد اعتباره القائد والمنقذ والمعلم والأب و»الوريث الشرعي» لأبطال لبنان الوطنيين التاريخيين منذ الأمير فخر الدين الثاني.

بيد أن الواقع سرعان ما يعيد اللبناني إلى خواء حاضره بعيداً عن كل تلك الهالة القدسية الباهرة ليضعه وجهاً لوجه إزاء تحديات أساسية وأسئلة مربكة لا يمكن الإجابة عنها بلغة أيديولوجية فائتة أو تغطيتها برطانة خطابية فارغة.

يعود اللبناني إلى واقعه ليتساءل كيف سينهض لبنان من كارثة دين فاق السبعين بليون دولار وهدر متواصل يفاقمه ببلايين أخرى سنوياً؟ كيف ستؤمن الكهرباء والماء إلى مواطنيه العطاش والقابعين في الظلمة، وكيف سترفع النفايات المتراكمة في شوارعه وقراه؟.

كيف ستتحقق العدالة الاجتماعية في بنيته المجتمعية بينما تشير الإحصاءات إلى بطالة 30 في المئة من قواه العاملة وفقر أكثر من ثلث من سكانه؟ كيف سيضع لبنان يده على ثرواته الاقتصادية ليحولها إلى خدمة مواطنيه ونمائهم وازدهارهم، بينما تسيطر 50 أسرة على الاقتصاد اللبناني وتقبض ثلاثة مصارف على نصف الودائع، فيما هنالك مليون لبناني تحت خط الفقر، منهم 250 ألفاً في فقر مدقع. كل ذلك في ظل انهيار متمادٍ للطبقة الوسطى واختلال الثروة بين المدن والأرياف، وتركّز جيوب الفقر في الخواصر المدينية وفي بعض المدن الكبرى كطرابلس حيث تصل نسبة الفقر إلى 80 في المئة؟.

كيف ستحل مسألة انهيار الأوضاع المعيشية للطبقة العاملة وموظفي الدولة بعد استعصاء إقرار سلسلة رواتب عادلة تحد من معاناتهم؟ كيف ستحول الدولة دون هجرة الكفاءات العلمية وإعادة عشرات الآلاف من هؤلاء للإسهام في تقدم الوطن ونمائه؟ كيف ستعمل لإنصاف المرأة والحد من الانتهاك المتواصل لحقوقها الطبيعية وكرامتها الإنسانية، في حين تتعرض للتعذيب أو القتل في لبنان مئات النساء سنوياً، في ظل قوانين ظالمة جائرة تحمي الجاني؟.

إلى جانب هذه الأسئلة ثمة أسئلة سياسية وإدارية وبيئية لا تقل إرباكاً. فكيف سيشعر اللبناني بالأمان في منطقة تعصف بها الأصوليات التكفيرية إلى حد نبذ الآخر واستئصاله؟ وكيف سنصل إلى دولة الحرية والعدالة والمساواة ومجرى شرائعها على الجميع من دون تمييز بين الأشخاص أو تفريق بين الأحوال؟ ومتى سنتعامل مع الشخص البشري بوصفه قيمة في حد ذاته، بصرف النظر عن طائفته أو مذهبه أو انتمائه أياً يكن؟ وهل سيتمكن اللبناني من الحصول على حقوقه من دون اللجوء إلى الرشوة والمحسوبية، بينما تذكر التقارير والإحصاءات استشراء الفساد والفوضى في دوائر الدولة إلى حد يجعل لبنان في طليعة الدول الفاسدة إدارياً، وفق مؤشر الشفافية الدولية؟.

أما بيئياً، فلبنان يتعرض إلى خراب متمادٍ في طبيعته، غاباته تتآكل وثروته الزراعية تتراجع وأجواؤه تتلوث والبناء العشوائي يعم مدنه وقراه، فهل ثمة تصور إنقاذي يبقي على مجال طبيعته وطيب مناخه وخضرة سفوحه؟

نعلم أن هذه الأسئلة وسواها، ليس في وسع أي سياسي أو زعيم أن ينهض بها بالكامل، إذ هي وريثة تاريخ بكامله من التخلف والفساد والأنانية وانعدام المسؤولية. إذ أننا نأمل أن يكون التصدي لها ومقاربتها من منظور مختلف، من أولويات الحكم وهمومه في المرحلة الراهنة. ولنا أن نأمل ذلك في حقيبة الرئيس العتيد من وعود وأحلام كبيرة.

عندها يكون احتفاء اللبنانيين بالعهد الجديد مبرراً وذا معنى، لا مرارة تضاف إلى مراراتهم وغصة تضاف إلى غصاتهم.


* كاتب لبناني