مشاري الذايدي

الصيحات التي أطلقها نوري المالكي، قبيل معركة الموصل، والتي يطلقها الآن خليفة «داعش»، أبو بكر البغدادي، لتحريض جند «داعش» على «الجهاد»، تنبع من النبع نفسه: الصحوة. «الصحوة» مصطلح اكتسب زخمه، وكّون شبكاته الحاكمة، من خلال مرشدْين أساسيْين، متعاصرْين عمًرا؛ هما المرشد المصري حسن البنا (ولد 1906) مرشد جماعة «الإخوان»، والمرشد الإيراني، روح الله خميني (ولد 1902) مرشد جمهورية إيران.

إبراهيم السامرائي، أو أبو بكر البغدادي، كادر وناشط من نشطاء «الإخوان» في العراق، كما قال - بحسرة - يوسف القرضاوي، شّكل جماعته الخاصة، التي «استعجلت» التمكين، على وقع الغضب السّني من الصلف الخميني.

نوري المالكي، أمين حزب الدعوة، النسخة الشيعية من جماعة «الإخوان»، الحزب الذي كان بعض مؤسسيه العراقيين أصلاً من «إخوان العراق».. (التفاصيل في «أمالي الرفاعي»، للباحث رشيد الخيون). صرخات المالكي «الجهادية» بالنكهة الخمينية، أطلقها مؤخًرا (24 أكتوبر/ تشرين الأول) في مؤتمر «المجمع العالمي للصحوة الإسلامية» بحضور الأمين العام للمجمع العالمي، مستشار خامنئي، علي أكبر ولايتي.

إيران الخمينية، في عهد خامنئي، حولت «الصحوة» لمؤسسة، مقرها طهران، أمينها ولايتي، والهدف منها تشييد مظلة إيرانية، لاستثمار «الحركات» الإسلامية السنّية، بحجة «الصحوة»! بالنسبة للنظام الخميني، فإن المرشد المؤسس هو مطلق شرارة الصحوة.. هو راعيها الشرعي، لذلك جاء في بيان «المؤتمر الدولي للصحوة الإسلامية» بطهران في سبتمبر (أيلول) 2011:
«إن انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة سماحة الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) مجدد الإسلام العظيم في التاريخ المعاصر، التي واصلت مسارها بقيادة سماحة آية الله العظمى الخامنئي، فتح مرحلة جديدة، لتطوير موجة الصحوة الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي».

أتذكر في هذا الصدد كلمات نشيد إيراني، على لسان كادر بحريني أو عراقي، في بداية التسعينات، جاء فيها: «هذا الكفر قد جّند للصحوة قوة». أيضا: «لكّنا افترقنا عن درب الإمامة، بالساحة لّما أهملنا العمامة».

في السعودية، رغم الضخ الثقافي التربوي الهائل، لعقود، ظل هذا المصطلح موضع ريبة في سلامة منبته، لذلك وجدنا رفًضا «تقليدًيا» له، ومن أشهر من نّظر لهذا الرفض، الراحل الشيخ بكر أبو زيد، في كتابه «معجم المناهي اللفظية» وسخر من المصطلح قائلاً: «ليت شعري ما هي النسبة إلى هذا المستحدث (الصحوة الإسلامية)؛ صاٍح، أم ماذا؟».

ربما لو تمّعنا أكثر لوجدنا جذوًرا مسيحية أيًضا للمصطلح، مع الانبعاث البروتستانتي، لكن يبقى في النهاية مثيًرا هذا التصارع على احتكار العرش الصحوي، بين قوم دّبجوا الأدبيات والتربويات عن عظمة الصحوة.

الآن، هل نحن، بصيغة ما، تجاه حرب صحوية - صحوية؟