عبدالمجيد الزهراني

في عالمنا العربي لا شيء تعرض للتتفيه والتحقير أكثر من العقل الذي ميّز الله به "الإنسان" عن بقية المخلوقات التي تدب على الأرض، لتسجد له الملائكة.

هذا العقل أضحى في عالمنا العربي بلا قيمة فعلية، ترفع من شأنه، بل صار مُسلّعاً، مثله مثل أي سلعة تباع وتشترى بثمن بخس، وبطريقة مضحكة.

قبل أيام، بينما كنت منسدحا على الأريكة، متأملا وسابحا في ملكوت الله، لفتت نظري جملة للراقصة الشهيرة فيفي عبده، إذ كانت تتكلم في الشاشة، عندما قالت: "أنا بفكر بجد أني أكتب أو أشوف حد يكتب لي مذكراتي، عشان تنفع الناس"، وهي الجملة التي أفزعتني وقطعت من تأملاتي لسقف الغرفة، فبقيت مبحلقاً في الراقصة الأديبة، قرابة الساعة ونيف. 

كتابة المذكرات فن أدبي رفيع يشترط في شخصية كاتبه أو المكتوب عنه، عدة شروط منطقية، أولها أن يكون الشخص ذا تجربة حياتية وفكرية عميقة تفيد وتضيف لقارئها. ثانيا أن يكون الشخص نفسه يشكل مركزا لاهتمام مجموعة واسعة من قراء هذا الفن الكتابي، وكلا الشرطين لا أظنهما متوفرين في حضرة الراقصة الأديبة فيفي عبده.

المذكرات فن كتابي لا بد أن يكون محتواه ذا قيمة في التجربة الحياتية والشخصية التي يتناولها، كذلك لا بد أن يكتب بلغة أقرب إلى اللغة الأدبية، إن أردنا عملا محترما، وإلا فسيكون مجرد تفريغ أيام في دفتر مذكرات باهت.

فيفي ليست الوحيدة في هذا المطب الاستهلاكي للفنون وللعقول، فهي نتاج هذه المجتمعات العربية المفتوحة على الاستهلاك والتسليع الفكري والعقلي، فهناك عشرات الكتب التي تعنى برصد الذكريات الحياتية، لعدد كبير من النجوم والمشاهير، وهي كتب في غاية الرداءة الأدبية والفنية، ولا تقدم لقارئها، ولعقل قارئها، إلا مزيدا من الترف المعرفي الزائد عن الحاجة، وغير ذي القيمة.

أفكر جديا في كتابة مذكراتي، وأرجو ألا تسخر مني عزيزي القارئ، فأنا كاتب ذو تجربة طويلة عريضة، وإن لم تتقبلني كذلك، فعلى الأقل: اعتبرني فيفي عبده.