عبد الله المدني

عقد أخيرا في ولاية هاواي الأمريكية مؤتمر لوزراء دفاع دول جنوب شرق آسيا بحضور الولايات المتحدة ممثلة في وزير دفاعها أشتون كارتر. ولئن طغى على الاجتماعات التوتر القائم بين واشنطن ومانيلا في أعقاب التصريحات المعادية والأوصاف غير اللائقة التي نطق بها الرئيس الفلبيني "رودريجو دوتيرتي" ضد الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبلاده، ثم التوتر القائم في بحر الصيني الجنوبي بسبب تحركات بكين لتعزيز نفوذها وسيادتها على مجموعة من الجزر المتنازع عليها في المنطقة، فإن العنوان الرئيس للمؤتمر كان "داعش".

وبعبارة أخرى خصص الجزء الأكبر من مناقشات المؤتمر للبحث في المخاطر المستقبلية لتنظيم داعش الإرهابي على دول منظومة آسيان العشر وذلك على ضوء فرضية مفادها أنه حالما تنجح العمليات العسكرية الجارية في سورية والعراق ضد مقاتلي التنظيم فإن المسلحين الذين يقاتلون في صفوفه من أبناء جنوب شرق آسيا المغرر بهم لن يجدوا أمامهم -إن بقوا أحياء- سوى العودة إلى أوطانهم لزرعها بالإرهاب والعنف والفوضى.

وهذا، بطبيعة الحال، أمر وارد وعانته دول الخليج العربية مرتين كانت أولاهما في أعقاب انتهاء حرب الجهاد في أفغانستان، وثانيتهما في أعقاب تصفية دولة طالبان المقبورة وتشتيت أنصارها من تنظيم القاعدة الإرهابي. كما أنه أمر غير مستبعد حدوثه في أوروبا ودول آسيا الوسطى الإسلامية التي يوجد كثيرون ممن يحملون جنسياتها في صفوف مقاتلي "داعش" في سورية والعراق وربما في أماكن أخرى من منطقة الشرق الأوسط المستباحة.

في مؤتمر هاواي المذكور كان الصوت الأعلى لوزير الدفاع السنغافوري "نج إن هين" الذي حذر من ازدياد الموقف خطورة مقارنة بما كان عليه الحال قبل عام أو عامين مثلا، مشيرا إلى أن عدد مواطني دول آسيان في حروب "داعش" في سورية والعراق ظل يتزايد حتى وصل اليوم إلى أكثر من 1000 مقاتل أو نحو ذلك، جلهم من إندونيسيا وماليزيا، وأنهم باتوا يتقنون فنون القتال والأعمال الانتحارية والتفجيرية من أجل تحقيق أحلامهم الطوباوية في إقامة دولة الخلافة الإسلامية، بل صاروا اليوم أكثر تنظيما واتصالا ببعضهم بعضا وأكثر قدرة على غسل عقول العوام والمحبطين عبر الدعاية الصفراء.

ومما تطرق إليه الوزير السنغافوري في هذا السياق الإشارة إلى حادثتين تؤكدان كلامه وتثبتان أن بعض إرهابيي "داعش" من جنوب شرق آسيا قد تمكنوا من العودة فعلا إلى ديارهم للمساعدة على تأسيس فرع إقليمي للتنظيم يتولى قيادته عضو سابق هارب ومطلوب للعدالة من رجال جماعة "أبوسياف" الفلبينية العنيفة.

هاتان الحادثتان هما: إعلان تنظيم داعش الإقليمي المذكور مسؤوليته عن هجوم تم تنفيذه في جاكرتا في يناير الماضي تسبب في مقتل ثمانية أشخاص بينهم أربعة من المهاجمين. أما الحادثة الثانية فقد كانت على وشك الوقوع وتستهدف فنادق في منطقة "مارينا باي" السياحية السنغافورية لولا أن السلطات الإندونيسية أخبرت نظيرتها السنغافورية بها في إطار التعاون الأمني - المخابراتي القائم بين دول تكتل آسيان. هذا التعاون الوثيق الذي ظهر على السطح بعيد تفجيرات بالي الدموية في عام 2002 وأثبت فاعليته في أكثر من واقعة منذ عمليات السطو والقتل والخطف للسياح الأجانب والاعتداء على المصارف والمنشآت السياحية والبنى التحتية من تلك التي اجتاحت دول المنطقة منذ مطلع الألفية الثالثة على يد تنظيمات إرهابية متطرفة مثل الجماعة الإسلامية في إندونيسيا بقيادة رجل الدين "أبوبكر باعاشير"، وجماعة "أبو سياف" بقيادة القذافي جنجلاني وخلفائه بدعم خفي من تنظيم القاعدة وأحيانا من قبل مخابرات دول أجنبية لها مصلحة في زرع الفوضى والفتن والحروب الأهلية في هذه المنطقة الصاعدة اقتصاديا. ومن الجدير بالذكر أن التعاون الأمني المذكور هو الذي أتاح الوصول إلى واحد من أخطر الإرهابيين والمتطرفين ممن تعاونوا مع خالد شيخ محمد للتخطيط لهجمات 11 سبتمبر وهو الإندونيسي"رضوان عصام الدين" الشهير بـ"الحنبلي" الذي قبضت عليه بانكوك في أحد المنتجعات السياحية التايلاندية عام 2003 كنتيجة لتعاون مخابراتي إندونيسي ماليزي تايلاندي أمريكي مشترك، قبل أن تسلمه للولايات المتحدة.

وتأكيدا لما حذر منه وزير الدفاع السنغافوري قال رئيس الشرطة الإندونيسية في 17 أكتوبر إن سلطات بلاده الأمنية تراقب من كثب نحو 40 عائدا من سورية خشية تواصلهم مع شبكات إرهابية قائمة في البلاد أو إغوائهم المراهقين عبر الإنترنت لشن هجمات، خصوصا أن صبيا في الـ16 من عمره حاول تفجير قنبلة منزلية الصنع في كنيسة بمدينة ميدان في أغسطس الماضي، ناهيك عن محاولة أخرى فاشلة قام بها مراهق إندونيسي آخر من المعجبين بزعيم "داعش" أبوبكر البغدادي لطعن أحد القساوسة.