«بورصة» الدولة المدنية في الأردن: مزايدات وتحذير «سلفي» و«تلقف» أخواني ومركز القرار متفاجئ من سرعة «الانتشار»

بسام البدارين

لا أحد في الأردن يريد استذكار الأوراق النقاشية الخمس التي سبق للقصر الملكي ان طرحها على الرأي العام في الوقت الذي تغزو فيه كل الأضواء وبصورة غير مسبوقة الورقة السادسة التي اتخذت عنوان «الدولة المدنية وهيبة القانون».

حجم الترحيب «الشعبي» بمضمون الورقة كان كبيرا جدا بل مفاجئا حتى للمسؤولين في مؤسسة القصر الملكي كما تقول بعض التسريبات.
يبدو ان المتابعين للشؤون المحلية في المؤسسات المرجعية أخفقوا في توقع الضجة التي يمكن ان تثيرها دعوة التحول لتمدين الدولة ومأسسة مسطرة القانون.
لذلك يبادر الجميع في مراكز القرار لاطلاق محاولات ومشاريع النقاش على نحو غير مسبوق خصوصا بعدما أهملت الحكومات المتعاقبة بتقدير رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي المضامين الهادفة للأوراق الخمس النقاشية التي سبقت .
على هذا الأساس بدأ رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي والمقربون منه يستعملون تعابير الورقة النقاشية التي بدت وكأنها خطاب تكليف إضافيا للحكومة .
وعليه اختار رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز طراونة مقرا يحمل اسم الملك الراحل حسين بن طلال في عمان العاصمة للتوسع في النقاشات بعد «التلقف الشعبي» غير المتوقع للفكرة وللمشروع .
حصل ذلك ويحصل لسبب، فقد توسعت نقاشات مضامين الورقة الملكية السادسة أفقيا وعموديا وخارج التوقعات .
أسرع وأول من تلقف الفكرة كان التيار الإسلامي، فقد صرحت الناطقة باسم كتلة الاصلاح الإسلامية ديمه طهبوب أنها فقدت القدرة على النوم عندما قرأت التفاصيل وصرح رئيس الكتلة الدكتور عبدالله العكايلة لـ «القدس العربي» قائلا : «دولة مدنية منسجمة مع أحكام الشريعة..لم لا؟».
لاحقا أكد الشيخ زكي بني إرشيد دعمه للتحاور على التفاصيل وفهمت «القدس العربي» من القيادي البارز في الحركة الإسلامية الشيخ مراد عضايلة أن الفرصة مواتية لوضع تصورات بنصوص حول شكل وهوية الدولة المدنية التي يؤيدها الإخوان المسلمون على أساس القول الملكي بأن لا تقترب من «العلمانية» وتنسجم مع أحكام الشريعة.
ويبدو ان أنصار البرنامج «المدني»الذي لم تصدر تعريفات بخصوصه بعد يتجاوزون بعض قادة ونواب التيار الإخواني الذين يقدرون أن الفكرة تسمح باللعب السياسي مجددا بين الإسلاميين والنظام .
في السوق السياسي ثلاثة أحزاب قيد التأسيس والتشكل دفعة واحدة تتحدث تلميحا وتصريحا عن الاستعداد للتفاعل مع الدولة المدنية، أبرزها وآخرها حزب الانقاذ الذي يقوده المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان سالم الفلاحات.
قبل حزب الفلاحات صرح نواب تيار «الدولة المدنية» الذي يحمل الاسم»معا» أنهم بصدد تأسيس حزب سياسي، وفي الأثناء تفكر شخصيات مستقلة مقربة من النظام بتجربة حزبية ثالثة .
مسألة الدولة المدنية تحولت إلى «بورصة سياسية» حسب تعبير رئيس سابق للوزراء تحدث عن ارتفاع وانخفاض حدة النقاش حول مضمون تمدين الدولة الأردنية التي «لا يمكن تمدينها» في كل الأحوال في رأي الرئيس نفسه، لان ذلك لو أصبح حقيقيا لتطلب تغيير كل شكل وملامح التحالفات الاجتماعية داخل مؤسسات الدولة.
حتى السفيرة الأمريكية المثيرة للجدل بسبب كثرة تحركاتها اليس ويلز، تزور شخصيات في البرلمان وتدعم خيارات التحول نحو مدنية الدولة.
وسط القوى السياسية والسوق الحزبية يعارض بقوة وعلنية شخص واحد هذا الإتجاه ويشكك بالجميع وهو المعارض ليث الشبيلات الذي أعادته نغمة الدولة المدنية لتصدر المشهد السياسي الداخلي عبر سلسلة من الرسائل الجريئة والتي يقال انها بدأت تتجاوز «الخط الأحمر».
وفي آخر رسائله التي يتولى تسويقها إلكترونيا الناشط النقابي البارز ميسرة ملص يطالب الشبيلات باستعادة الدولة والدستور «المختطفان» أولا ثم العمل على تحديد هوية الدولة سواء أكانت مدنية أو دينية .
لا يستقيم الحديث عن مدنية الدولة في رأي الشبيلات فيما تتحول المملكة إلى «ديكتاتورية» وفيما تفوق سلطات العاملين في الديوان الملكي سلطات الحكومة الدستورية وفيما يتمكن موظف صغير من تسمية عشرة أعضاء في مجلس الأعيان بينهم «الماما والأنكل» على حد تعبير الشبيلات.
يتحمس للاصطفاف بالنتيجة مع الشبيلات ولكن لأسباب مختلفة بعض نشطاء الإخوان المسلمين والتيار السلفي الذين لا يقبلون بديلا مدنيا عن «دولة الإسلام».
في مفارقة لا يمكنها ان تحصل إلا في الأردن يبدو واضحا ان اتجاهات دولة هيبة القانون المدنية لم تصل لنخبة عريضة من الحكام الإداريين والموظفين البيروقراطيين بل يعارضها أيضا محافظون وحرس الدولة القديم ودعاة الدولة المركزية.
لكن في الزاوية المعنية بالتفكير المحافظ ثمة تساؤلات عن التفاصيل قبل الوصول لأي استنتاجات.
وهنا حصريا يود الوزير السابق سامي قموة شرح وجهة نظره بخصوص ما نقل عنه سابقا حول الارتياب في صفقة بين النظام والإخوان المسلمين مصرا في تواصل مطول مع «القدس العربي» على عدم دقة ما ورد في الإشارة السابقة وعلى أساس انه شخصيا يدعم مشاركة جميع الأطراف بما فيها الإخوان المسلمون في العملية السياسية وفي الانتخابات والبرلمان .
يتصور قموة وهو أحد قيادات محافظة البلقاء أن الوطن يحتاج لجميع أولاده والتنوع مؤثر ومهم في المرحلة الدقيقة التي تواجهها الأمة، والأردن واحة استقرار وأمان وسط إقليم مشتعل، الأمر الذي يتطلب الترحيب بمشاركة الجميع سواء أكانوا في التيار الإخواني أو غيره .