باسم الجسر 

 لا شك في أن اللبنانيين، في غالبيتهم، استقبلوا التطورات السياسية الأخيرة بكثير من الفرح والتفاؤل. وشاركهم المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان في العالم في هذه الفرحة، رغم الأصوات المعارضة أو المتحفظة التي لم تغب عن هذا الجو السياسي الوطني المؤمل. وهذا أمر طبيعي عندما يحدث في أي بلد تطور سياسي كبير مفاجئ.
ولا خلاف على أن الفضل الأكبر في هذا التركيز الجديد للسلطة التنفيذية يعود إلى شخصيتي الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري خصوصًا، وتعاونهما بدلاً من تخاصمهما، وأن من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية ويخفف من التوترات الطائفية، ويعزز الأمن والاستقرار، ويطلق الاقتصاد اللبناني الذي تأثر بالنزاعات السياسية الداخلية المعطوفة على النزاعات والحروب المحتدمة في المنطقة.
ومن الطبيعي أن تكون تشكيلة الحكومة الجديدة هي المحك الرئيسي لمدى تعاون كل القوى السياسية المتنازعة منذ عشر أو عشرين سنة، في نجاح هذه الخطوة الوطنية والسياسية الجديدة. إذ لا يكفي أن يتفق الرئيسان عون والحريري على أسماء الوزراء وتوزيع الحقائب، بل إن مساعدة الأحزاب والكتل النيابية لهما في تأليف حكومة وطنية جامعة يبقى مفضلاً إن لم نقل ضروريًا. كما من المؤمل ألا تطول حقبة التأليف أسابيع وأشهر كما حصل مع رئيس الوزراء السابق تمام سلام. ولا نعتقد أن رئيسي الجمهورية والحكومة سيسمحان بذلك، نظرًا لما سيلقيه تأخير تأليفها من ظلال سلبية على الجو الوطني الجديد، وبالتالي على الفجر الذي يبشر بالطلوع على لبنان واللبنانيين.
لحسن الحظ لم يتخلَ اللبنانيون، شعبًا ونوابًا وسياسيين، عن الديمقراطية البرلمانية حتى في أحلك أيام محنهم الوطنية والسياسية. فكما أخرج مجلس نواب 1970 البلاد من الحرب الأهلية بانتخابه أربعة رؤساء جمهورية، وأبرم اتفاق الطائف - وهو الميثاق الوطني الجديد - كذلك نجح المجلس النيابي القائم في التوصل إلى المخرج الأخير من أزمة فراغ الرئاسة، بانتخاب الجنرال عون رئيسًا للجمهورية، وتسمية سعد الحريري رئيسًا للحكومة. ولكن علة الحياة الوطنية والديمقراطية السياسية في لبنان كانت ولا تزال الطائفية، والتي أضيفت إليها المذهبية والمناطقية والحزبية النيو – طائفية، والزعامات العائلية التاريخية، لا سيما عندما عثرت على من يمدها بشتى أنواع الدعم الخارجي، القريب والبعيد.
إن هذه الصفحة الجديدة في تاريخ لبنان الحديث مرشحة لأن تُدخل لبنان واللبنانيين في عهد جديد إذا نجح الرئيسان عون والحريري والرئيس بري (الذي أعطاه زعيم «حزب الله» صولجان التكلم باسمه) في تطبيق كل بنود اتفاق الطائف، وفي تجنيب لبنان وصول اللهب المشتعل في سوريا إليه. أما إذا تغلبت حسابات حزبية أو شخصية عند بعض السياسيين والأحزاب، أو قضت مصلحة هذا الفريق أو ذاك من المتقاتلين في سوريا، بنقل الصراع إلى لبنان، أو أن صفقة دولية ما عقدت بين العواصم الكبرى، فقد تتعرض الأجواء السياسية والوطنية المفعمة اليوم بالأمل إلى عوامل مشبعة بالقلق.
يبقى أن المضيق الآخر الذي على السفينة اللبنانية اجتيازه بعد مضيق تأليف الحكومة، هو قانون الانتخابات النيابية الجديد، الذي تتضارب مواقف النواب والأحزاب بشأنه، والذي به سوف تنبثق الأكثرية النيابية التي ستحكم لبنان بعد أشهر.
فهل سيشهد لبنان بهذا الشأن الذي لا يقل أهمية عن انتخاب الرؤساء، اتفاقًا سياسيًا وطنيًا جديدًا، أم سوف يشكل قانون الانتخابات النيابي صخرة يصطدم بها الوفاق الوطني الطري العود، ويتجدد انقسام السياسيين واللبنانيين إلى موالين ومعارضين جدد، ولكن بعناوين وشعارات جديدة؟