وثيقة التسوية العراقية… مصالحة أم حفاظ على مصالح القوى السياسية المتنفذة

مصطفى العبيدي

 في خضم معركة تحرير الموصل، أقر التحالف الوطني الشيعي، مشروع «وثيقة التسوية السياسية» في العراق، ليعلن بدء مناقشات حادة بين القوى السياسية والاجتماعية حول جدوى المبادرة واهميتها وآفاق نجاحها في اجراء المصالحة الوطنية المغيبة منذ 2003.

وتأتي مبادرة التحالف الوطني في ضخم معركة تحرير الموصل وتصاعد الدعوات لاجراء مصالحة وطنية حقيقية تمنع توفير البيئة المناسبة لتكرار بروز ظاهرة التنظيم في البلاد، من خلال إلغاء المحاصصة الطائفية والعرقية، وإنهاء احتكار السلطة من قبل الأحزاب الشيعية، في مقابل تهميش أبناء الطائفة السنية والتدهور الشامل الذي آلت إليه أوضاع البلاد على مختلف المستويات اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا.
وبهدف التخفيف من هذه المخاوف والمطالب، جاءت محاولات التحالف الوطني (الشيعي) لطرح مشروع أسماه «وثيقة التسوية» التي وصفها بالـ«تاريخية» ذات الاهمية البالغة في تحقيق السلم الأهلي، إلا ان الكثير من الاعتراضات قوبلت بها الوثيقة واعتبرتها محاولة لترسيخ هيمنة الأكثرية على الآخرين.
وذكر عراب الوثيقة، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، ان وثيقة التسوية بين المكونات في العراق التي يطرحها التحالف الوطني ستكون تاريخية، وتساهم في انجاز المصالحة بين مكونات الشعب.
واشار الحكيم خلال ندوة في اربيل مؤخرا، ان انتهاء معركة تحرير نينوى، تفرض اعادة رسم العلاقة بين المكونات، مدعيا ان «الوثيقة « ستكون مفاجأة للعراقيين كونها تحل الكثير من المشاكل وتزيل المخاوف، حسب قوله. 
وبدوره، حذر اياد علاوي، يوم امس الأول السبت في مؤتمر صحافي، من «ان عدم تحقيق مصالحة حقيقية في البلد عقب الانتهاء من تحرير الموصل قد يوفر الاجواء لاعادة ظهور تنظيم «القاعدة « في العراق، لوجود البيئة الحاضنة التي تشكو من حالة الاقصاء والتهميش». 
واكد علاوي في تصريح متلفز تابعته «القدس العربي»،ان الموصل هي فرصة تاريخية للعراق في مرحلة ما بعد تحرير الموصل من تنظيم «الدولة»، وان العراق على مفترق طرق، فاما تكون يخرج من هذه القوقعة ويبني مصالحة حقيقية بين المكونات تنقذ الاوضاع من الانهيار الشامل، واما ينتهي». 
وأكدت عضو مجلس النواب العراقي عن الموصل نورة البجاري، «أن مرحلة ما بعد انهيار التنظيم في الموصل تمثّل الاختبار الواقعي لقيادات العراق السياسية بمختلف انتماءاتها ولصناع القرار لبناء الدولة أو لترسيخ اللاّدولة».
ودعت في بيان، إلى اعتماد سياسة وطنية تجمع العراقيين ولا تفرّق شملهم بعناوين ثانوية كالطائفة والمذهب او القومية، مطالبة أن تكون معركة تحرير الموصل من التنظيم، نقطة بدء التعافي في إعادة بناء هيكل الدولة وسلطتها، وإلا فستزداد أعداد الناقمين على تراجع الأوضاع وسوء إدارة البلاد وحكم الأحزاب المتنافرة».
وتابعت أن “إنهاء ملف التنظيم فرصة ذهبية للأطراف العراقية المختلفة لإعادة بناء الدولة والمجتمع العراقي على أسس سياسية ودستورية جديدة، إذ لا يمكن تجاوز أخطاء المرحلة السابقة بالاعتماد على السياسة الحالية وآلياتها ومنهجيتها في إعادة التوازن للدولة وتوطيد الأواصر الوطنية بين مكونات المجتمع العراقي.
وكانت مصادر في التحالف الوطني، أعلنت أن فريقا يتزعمه عضو التحالف الشيعي إبراهيم بحر العلوم، شرع في إعداد نص «وثيقة التسوية» التي تستهدف المصالحة بين الاطراف السياسية الشيعية والسنية والكردية، مشيرة أن وفد التحالف الوطني اجرى اتصالات مع بعض الشخصيات السنية لاختيار ممثلي السنة الذين سيوقعون الوثيقة.
إلا ان انتقادات وجهت إلى هذا التحرك واعتبرت ان التحالف الوطني يركز على الشخصيات السنية المنخرطة اساسا في العملية السياسية منذ سنوات، وتهمل القوى السياسية السنية خارج العملية السياسية التي يفترض التحرك عليها نظرا لدورها في الشارع السني، حسب المراقبين.
وكان التحالف الوطني اجتمع مع ممثل الأمم المتحدة في العراق لمنح تحركها غطاء دوليا، حيث دعت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، الشهر الماضي، العراقيين إلى الانخراط في حوار جدي يفضي إلى «تسوية تاريخية» بين المكونات والطوائف»، حسب قولها. 
وتحت عنوان (مشروع ميت للتسوية)، كتب راجي ساطع في صحيفة «المدى» المستقلة مقالاً، جاء فيه «ان مشروع التسوية السياسية الذي يطرحه التحالف الوطني تحت مسمى «التاريخي» لا جديد فيه إلا تأكيد الاعتراف بالانقسام وايجاد وثيقة سياسية تسجل أن القوى التي لها حق حكم العراق لا تتعدى الموقعين على اتفاق التسوية الموعود، وهذه التسوية يراد لها ان تنتج «سند ملكية» يمنح لأحزاب طائفية وعنصرية حق حكم العراق إلى الابد.
ومن يطلع على بعض ما تسرب عن وثيقة التسوية سيجد ان موضوع التسوية هو تقاسم السلطة وليس حل مشاكل المواطنين، وان الزعماء انفسهم الذين فشلوا سابقا، سيفشلون مجدداً لأنهم ببساطة جزء من المشكلة واستمرار وجودهم ومنهجهم يعني ان الأزمة مستمرة». 
ويذكر ان العديد من الأحزاب والقادة السياسيين في العراق، دعوا بعد التظاهرات المطالبة بالاصلاحات، إلى «مشاريع سياسية عابرة للطائفية»، لامتصاص نقمة الشارع، حيث اعتبرها منتقدوهم جزءا من جهود إعادة تلميع صورة الأحزاب الشيعية التي فشلت في قيادة الدولة العراقية.