فهمي هويدي

يوم الجمعة الماضي (4/11) نشرت صحيفتا «المصري اليوم» و«الوطن» تقريرا مفصلا عن خطة مفترضة وضعتها قيادات الإخوان في الخارج لتحريض المصريين ضد القرارات الاقتصادية التي أعلنت أخيرا. وبمقتضى الخطة سيقوم رجال الأعمال التابعون للجماعة بتجميع الدولارات التي تطرح في السوق المصرية والاستحواذ على كل المبالغ التي يقوم بضخها البنك المركزي لتعطيش السوق وإرباك حركة التجارة. في الوقت ذاته صدرت التعليمات بتكديس سيارات أعضاء التنظيم في محطات الوقود للإيحاء بأن هناك أزمة، تنقل إلى الخارج وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بالتوازي مع ذلك ستقوم عناصر الجماعة بسحب أكبر كمية من السكر من الموزعين في المدن والقرى والنجوع لتعميق الأزمة وإثارة البلبلة والسخط بين الناس. ومن التكليفات التي قيل إنها صدرت لأعضاء الجماعة أيضا أن كوادرها من مختلف الأعمار ستنتشر في المساجد ووسط تجمعات المصريين لاستثارتهم وتحريض المواطنين ضد السلطة وتحريض سائقي التاكسي والميكروباص على الإضراب عن العمل والامتناع عن التزود بالوقود بالأسعار الجديدة بعد زيادتها.

التقرير نشرته صحيفة «المصري اليوم» منسوبا إلى مصادر مقربة من جماعة الإخوان، قيل إنها عقدت اجتماعا في إحدى «العواصم العالمية». وحين نشر بذات المضمون والمعلومات في صحيفة «الوطن» فإن الكلام جاء على لسان نائب في مجلس النواب قريب من المؤسسة الأمنية وصف بأنه خبير في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي.

يوم السبت (5/11) نشرت جريدة «الأهرام» التقرير ذاته وأبرزته على الصفحة الأولى، مشيرة إلى أنها معلومات مؤكدة حصلت عليها الصحيفة. إلا أنها ذكرت أن الاجتماع الذي وضع الخطة وأصدر التكليفات عقد في إحدى «العواصم العربية»، وليس العالمية ولم يكن هناك من تفسير للجوء الصحف الثلاث إلى نشر التقرير بنفس المعلومات إلا أنه تعميم أمنى لم يبذل أى جهد مهنى في عرضه وإخراجه بصورة تقنع القارئ وتجعله «يبلع» الرسالة، ولم يكن ذلك أسوأ ما في الأمر. لأن الأسوأ أن معدي التقرير أرادوا الإيحاء لنا بأن السخط والغضب السائدين في الشارع المصري الآن لا يعبران عن مشاعر حقيقية لدى الناس، ولكنها جزء من مؤامرة إخوانية جهنمية اعتمدت ترتيبا جبارا لتفجير مختلف الأزمات التي تمر بها البلاد. ذلك أنهم سيوجهون وحدات جيوشهم الجرارة للانتشار في مختلف الاتجاهات. واحدة تستحوذ على دولارات الأسواق، وثانية ستستولي على السكر، وثالثة ستسيطر على محطات الوقود ورابعة ستنتشر في المساجد والميادين لإشاعة البلبلة وخامسة ستقوم بتحريض سائقي التاكسي والميكروباص على الإضراب عن العمل... إلخ.

لإحكام الرسالة والتأكيد على أن الحق على الطليان، أضافت «الأهرام» في عدد السبت ذاته تقريرا أمنيا آخر ضم إلى المؤامرة الجهنمية كلا من الدكتور محمد البرادعي ووكالتا «رويترز» و«أسوشيتدبرس» للأنباء، والـ«بى بى سى» ومجلة «فورين أفيرز» لأن الجميع تحدثوا بصورة سلبية عن الوضع القائم في مصر. ووصف التقرير كاتب مجلة فورين أفيرز ستيفن كوك بأنه «كاره لمصر»، لأنه زعم «بكل وقاحة» أن حرب النظام ضد الإخوان لا جدوى منها، لأن استمرارها يضر باستقرار المنطقة وبالمصالح الأمريكية.

ما يثير الدهشة في كل ذلك أن مثل هذه التقارير تنطلق من إنكار الأسباب الحقيقية للسخط والغضب في مصر، وكونها راجعة لأسباب موضوعية وداخلية بحتة. ولا أعرف كيف أقنع معدوها أنفسهم بأن الناس من السذاجة والبلاهة بحيث يمكن أن يصدقوا أن مؤامرات الخارج وراء ما يعانون منه.

أما ما يلفت النظر في هذا الصدد فإن هذه النغمة في الحديث برزت بعد فشل محاولة إلقاء المسؤولية وتوجيه أصابع الاتهام إلى «الشعب الغلط» الذي تسبب تقاعسه وكسله وكثرة إنجابه فيما وصلنا إليه. هذه المحاولات الساذجة التي قوم بها الإعلام الأمني لإلهاء الناس وتشويه وعيهم تصدمنا مرتين. مرة لانحيازها إلى فكرة إنكار الحقيقة، ومرة ثانية لأنها تكشف عن هبوط مستوى أداء معدي تلك التقارير الذين يبدو أنهم لا يعرفون الناس، فضلا عن أنهم لا يعرفون كيف يؤدون مهمتهم.