فاتح عبد السلام

الجيش العراقي يطلب من أهالي الموصل البقاء في المنازل وعدم مغادرتها في أثناء العمليات العسكرية لتحرير مدينتهم من تنظيم داعش . وهذا يرجع لسببين أولهما الحفاظ على حياة الناس في أماكن بات الاشتباك فيها من شارع الى آخر ولا مجال لحركة المدنيين الذين من السهولة أن يحتمي بهم عناصر التنظيم لتنفيذ عمليات انتحارية . والثاني انه لا توجد مخيمات تتسع لمليوني انسان نازح حول المدينة لاسيما ان بلدات وقرى أطراف الموصل شغلوا جميع الخيام المعدة للنزوح وهي ليست بأعداد تكفي هذه الحشود الهائلة ، فضلاً عن قلة المواد الاغاثية من طعام ودواء. وعلينا التذكر ان محيط الموصل هو ساحة عمليات مكملة للمعركة القريبة الدائرة .

لماذا ينفر الناس ، برغم التحذيرات ،من بيوتهم للنزوح مع دخول القوات العراقية ؟ هي ظاهرة تعبر عن حالة الكبت والقمع التي وضعوا فيها خلال سيطرة داعش ، وهي علامة على الرفض الغريزي لكل أسباب وجود داعش في المناطق السكنية ، كما هناك مشاعر عدم الثقة من عدم معاودة التنظيم على احتلال مناطقهم مجدداً بسبب من الماضي المضطرب التي عاشته تلك المناطق مع القوات السابقة التي غادرت مواضعها القتالية بسهولة وغموض وريبة قبل أكثر من سنتين وتركت الأهالي المجردين أصلاً من السلاح لقمة سائغة بيد التنظيم التي فرض برامجه على الناس باسم الاسلام ، في محاولة مزدوجة لزعزعة ثقة المواطنين بأي جهاز حكومي وبالاسلام الذي بات يعني التشدد وضرب الاعناق وتنفيذ أجندات مخابرات أجنبية .

هناك عدم ثقة في المستقبل، والحكم الآتي ، وهي مخاوف مشروعة بعد تجارب سيئة في ظل حكم قلق ونازف مدته ثلاث عشرة سنة .

المعركة ضد تنظيم داعش معركة الجميع ، ولا داعي للتخوين ، فلا تجعلوا ثقة الاهالي تهتز مرة أخرى بالحكومة واجهزتها ، واعلم ان الفساد هو الوجه الحكومي الذي يعرفه المواطنون ويتشائمون منه، لكن لتكن عملية تحرير الموصل الصعبة والمعقدة الوسيلة لغسل الوجه الملوث بالفساد والسرقات والمال الحرام ومص دماء الفقراء، لعلها بداية للمصالحة الوطنية ، والعمل بعدم احتكار السلطة . فداعش نتاج المرحلة السيئة من خليط الفساد والطائفية والتدخل الخارجي ، والعملية السياسية كانت وقوداً لنار هادئة تارة وعالية تارة أخرى تحت إناء ذلك الخليط المر والسام .