أحمد يوسف أحمد

عندما يطالع القارئ الكريم هذه السطور تكون قد بقيت ساعات على توجه الناخبين الأميركيين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التي لا تحدد فحسب الرئيس القادم للولايات المتحدة، وإنما أيضاً بنية السلطة التشريعية وحكام الولايات. ولاشك أن هذه الانتخابات كانت شديدة الإثارة نظراً لطبيعة المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي يمكن القول، إنه أتى بأفكار من خارج الصندوق لهجومه على فساد المؤسسة السياسية الأميركية ودعوته إلى تغيير جذري، وهي أفكار براقة لولا توجهاته المثيرة للقلق بخصوص الموقف من الأقليات، وبصفة خاصة المسلمين وسياسته المعادية للهجرة إلى حد الدعوة لبناء الأسوار مع الجيران، بالإضافة إلى فكرة «الحماية بأجر» الموجهة للحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. كما أخذ عليه البعض إعجابه بالرئيس الروسي بالإضافة إلى خلفيته المثيرة للجدل كرجل أعمال متهم بالتهرب من الضرائب، ناهيك عن سجله الأخلاقي العامر بالفضائح. ومن ناحية أخرى فإن المرشحة الديموقراطية بدورها هي أول امرأة تُرشح لهذا المنصب، ناهيك عن أنها كانت السيدة الأولى في البيت الأبيض لثماني سنوات، غير أن المشكلات حاصرتها بدورها بسبب استخدامها بريدها الإلكتروني الشخصي في مراسلات يُفترض أن تكون سرية بما يُلقي ظلالاً من الشك حول مدى صلاحيتها لتولي مسؤولية رئاسة الدولة الأقوى في العالم. وهي مشكلة لعبت دوراً كبيراً في تضييق الفارق بينها وبين ترامب قبيل الانتخابات بعد أن عمد مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى الإعلان عن عثوره على رسائل جديدة تتعلق بقضية البريد الإلكتروني الخاص بها. وقد كان هذا الإعلان مثيراً لتساؤلات حول مدى حكمته والهدف منه، في هذا التوقيت شديد الحساسية، وخاصة أنه قد أدى إلى انهيار تفوقها بهامش كبير إلى درجة أن بعض الاستطلاعات رجح كفة خصمها.

وعلى رغم أن المنطق وخلاصة استطلاعات الرأي العام تشير إلى ترجيح إن لم يكن تأكيد فوز كلينتون، إلا أنه من المستحيل الجزم بذلك أيضاً، وهو ما يرجع إلى أكثر من اعتبار، ولعل الاعتبار الأول يرتبط بسيكلوجية الناخب العادي، فرأيه يكون قابلاً للتغير سواء لاعتبارات مصلحية أو لتأثره بمستجدات المعركة الانتخابية كتلك الفضائح التي تتفجر من حين لآخر وتكون لتوقيتها آثار مدمرة كلما اقتربت من موعد التصويت. ومن الواضح في الانتخابات الرئاسية الأميركية أن هذا التكنيك يستخدم بانتظام، وقد يساعد على تقلب تفضيلات الناخبين ما يذهب إليه الرأي السائد من أن أياً من المرشحين لا يتمتع بمستوى من الثقة يجعله محصناً ضد التقلبات، وهو ما يجعل قطاعاً من الجمهوريين ومثله لدى الديموقراطيين عازفاً عن التصويت أصلاً. وكذلك فإن فكرة التنبؤ المحقق لذاته والتنبؤ الهادم لذاته تفعل فعلها في نتائج الانتخابات، بمعنى أن إعلان نتائج استطلاعات الرأي العام ولو في اليوم الأخير قبل الانتخابات لا يعني بالضرورة أن نتيجتها الفعلية ستتفق وما ذهبت إليه هذه الاستطلاعات، ففي أعقاب إعلان نتائجها يمكن أن يحدث أحد أمرين، إما أن يُصاب أنصار المرشح الذي تشير النتائج إلى فشله بالإحباط فلا يتحمسون للإدلاء بأصواتهم فيكون التنبؤ في هذه الحالة محققاً لذاته، بمعنى أن إعلانه ساعد على تحققه، وإما أنهم على العكس قد يتملكهم الحماس الشديد خشية حدوث خسارة فادحة تصيب مرشحهم وحزبهم بضرر شديد فيحرصون على مشاركة كثيفة بينما يتخاذل أنصار المرشح الذي أشارت الاستطلاعات إلى فوزه الأكيد ثقةً منهم بحتمية الانتصار فتأتي النتيجة عكس ما ذهبت إليه هذه الاستطلاعات، ويكون التنبؤ بهذا هادماً لذاته، والمثال الأشهر هنا هو نتيجة الانتخابات البرلمانية في بريطانيا عام 1970 حينما ذهبت الاستطلاعات إلى تأكيد فوز حزب العمال للمرة الثالثة وبفارق كبير يكاد يقترب من الضعف فإذا بالمحافظين ينتصرون في مفاجأة مدوية لم يكن لها من تفسير سوى أن إعلان تلك النتائج دفع بمؤيدي العمال إلى التراخي بينما شارك المحافظون بنسبة عالية للغاية، مما أدى إلى قلب النتائج رأساً على عقب. والخلاصة أن العقل يرجح فوز كلينتون إن لم يكن يؤكده ولكنه يعي أيضاً أن التأكيد المطلق لهذا الترجيح مستحيل على ضوء ما سبق، ولكن المؤكد في كل الأحوال أن الولايات المتحدة سيكون لها رئيس لا يناسب مكانتها الدولية.