«الإخوان».. خسروا القرن العشرين وسيخسرون القرن الجديد!

 صالح القلاب 

 

المفترض أن يأخذ الإخوان المسلمون الأصل والفروع، أي التنظيم العالمي وامتداداته التنظيمية إنْ في المنطقة العربية وإنْ في كل مكان من الكرة الأرضية العبرة مما انتهت إليه أحزاب القرن العشرين الأممية والقومية، وأن يبادروا إلى مراجعة مسيرة نحو مائة عام وإدراك أنه إذا كانت «جماعتهم» قد تمكنت من التلاؤم، مثلها مثل كل هذه الأحزاب المشار إليها آنفًا، مع معطيات القرن الماضي فإنها بالتأكيد يجب أن تدرك وتعرف أنها أصبحت غريبة الوجه واليد واللسان في هذا القرن الجديد، الذي مضى منه حتى الآن أكثر من خمسة عشر عامًا كانت كلها أعوام عواصف هائلة، وحيث استقبلت هذه المنطقة وافدًا جديدًا هو: «الربيع العربي» الذي قلب الأمور في بعض دول الشرق الأوسط رأسًا على عقب والذي لا تزال ارتدادات زلازله العنيفة مستمرة حتى الآن وقد تستمر لسنوات مقبلة طويلة وكثيرة.

كانت الأحزاب الشيوعية قد ظهرت في المنطقة العربية كما هي الأحزاب الشيوعية في العالم كله، ومن بينها أهم حزبين في أوروبا الغربية الحزب الشيوعي الإيطالي الذي بلغ ذروة قوته في المرحلة التي كان رمزها الفيلسوف المبدع أنطونيو غرامشي والحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان من أبرز قادته وأهمهم جورج مارشيه، كامتدادات الحزب الشيوعي السوفياتي، الذي يعتبر حزب فلاديمير إلتش لينين، ولعل أهم حزب شيوعي عربي هو الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش والحزب الشيوعي العراقي الذي كان عزيز الحاج من بين أهم القياديين الذين مروا عليه وأيضًا الحزب الشيوعي اللبناني الذي كان جورج حاوي من بين أهم قياداته التاريخية، وحقيقة أن هذه الأحزاب كلها ما لبثت أن تلاشت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشيوعية العالمية التي لم يبقَ منها عمليًا إلا الحزب الشيوعي الصيني الذي يدين ببقائه للمصلح المبدع دينغ زياو بينغ الذي هو من انتشله وانتشل الصين من مرحلة ماو تسي تونغ التي غدت متعبة ومريضة ومن تطرف عصابة الأربعة التي ابتلته بما سمي «الثورة الثقافية» التي كانت ثورة عصابات متطرفة.
ثم هناك تجربة حزب البعث الاشتراكي الذي كان قد ظهر كفكرة وكتنظيم في نهايات أربعينات القرن الماضي نتيجة تأثر مؤسِّسيه ميشيل عفلق وصلاح البيطار خلال دراستهما الجامعية في فرنسا بالأفكار الاشتراكية القومية الأوروبية التي كانت ابتلت أوروبا كلها وليس ألمانيا وإيطاليا فقط بالظاهرة النازية وبالظاهرة الفاشية وبـ«أدولف هتلر» و«أليساندرو موسوليني» وبالحرب العالمية الثانية التي دمرت أوروبا كلها بكل دولها والتي وصل شرر نيرانها إلى القارتين الكبيرتين القارة الآسيوية والقارة الأفريقية.
كان حزب البعث في ذروة قوته التنظيمية وقبل أن يصل إلى الحكم والسلطة قد حقق وجودًا مؤثرًا فيما يسمى دول الشرق العربي، سوريا والأردن والعراق ولبنان وأيضًا اليمن بشماله وجنوبه، لكنه لم يستطع تحقيق أي وجود عملي بالنسبة للدول العربية الأفريقية إلا في السودان وفي تونس، وإلى حد ما في ليبيا قبل أن تصبح «جماهيرية» وقبل ثورة القذافي، والمعروف أن هذا الحزب كان قد وصل إلى الحكم في بغداد وفي دمشق بانقلابين عسكريين وفي عام واحد أي في عام 1963 لكن لم يبقَ منه إلى الآن إلا نظام بشار الأسد الذي لا يزال يرفع الراية البعثية وشعار: «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة» رغم أنه تنازل عن كل شيء في قلب العروبة النابض للإيرانيين والروس، ولكل هذه الزمر والمجموعات المذهبية التي تم استيرادها من إيران ومن العراق وحتى من أفغانستان وباكستان ومن كل حدب وصوب.
ثم وغير هذا الحزب، حزب البعث العربي الاشتراكي، فإن الساحة العربية قد شهدت أيضًا في القرن العشرين، قرن الفوضى والصخب والانقلابات العسكرية، حركة القوميين التي حكمت في اليمن الجنوبي أو في الجنوب اليمني لسنوات دامية ومنهكة وشهدت كذلك الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي اقتصر فعليًا على سوريا ولبنان وشهدت أيضًا الثورتين العظيمتين الثورة الجزائرية والثورة الفلسطينية.

لكن المعروف أن كل هذه الأحزاب الأممية الشيوعية والقومية العربية قد أصابها التلاشي والاضمحلال مع اقتراب نهاية القرن العشرين واقتراب بدء القرن الحادي والعشرين والمشكلة هنا لا تتوقف فقط على انهيار الاتحاد السوفياتي ولا على «إفلاس» حزب البعث، بل إنها تتوقف أولاً وبالدرجة الأولى على أن هذه التنظيمات والتشكيلات الحزبية كلها كانت إنتاج مرحلة تاريخية معينة لها ظروفها وأوضاعها ولها متطلباتها وأن هذه المرحلة قد انتهت ومن دون أي إنجازات فعلية وحقيقية وبدأت مرحلة جديدة بمتطلبات ومعطيات غير معطيات ومتطلبات المرحلة التي سبقتها أوجب وبالضرورة البحث عن أدوات تنظيمية - سياسية غير الأدوات السابقة التي هي إما أنها استهلكت أو أنها استهلكت نفسها وباتت الحتمية التاريخية تتطلب طي صفحتها والبحث عن صفحة جديدة.
وهكذا وما دام أن جماعة الإخوان المسلمين، التي كان أسسها حسن البنا في مصر عام 1928، أي بعد انهيار السلطنة العثمانية مباشرة، هي أيضًا من إنتاج القرن العشرين نفسه، الذي كان أنتج حزب البعث وحركة القوميين العرب والأحزاب الشيوعية (العربية) كلها والحزب السوري القومي الاجتماعي، فإنه عليها، وبخاصة بعد تجربتها المصرية الفاشلة، أن تعيد النظر في مسيرتها كلها، وذلك مع أنها تجربة طويلة وأنه عليها أن تدرك أن متطلبات القرن الحادي والعشرين تختلف عن متطلبات القرن الذي سبقه وأن هذا كله يتطلب أدوات سياسية واجتماعية جديدة غير الأدوات السابقة وأن ما غدا مطلوبًا وضروريًا هو الأحزاب البرامجية المدنية والعلمانية «الإقليمية» ولكن بأفق قومي وإسلامي عام، إذ إن ما كان قد ولى وهو لن يعود لأن هناك مرحلة مستجدة غير المرحلة السابقة التي أصبحت في ذمة الماضي وهي لا يمكن أن تعود بأي صورة من الصور وعلى الإطلاق!!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن التابعة تنظيميًا وسياسيًا وفي كل شيء للتنظيم العالمي في مصر، قد أصيبت هي بدورها، مع بدايات الألفية الثالثة، بداء التشظي والانقسام فأصبح التنظيم الواحد خمسة أحزاب أو تنظيمات هي: حزب الوسط الإسلامي، وحزب «زمزم»، وحزب جمعية جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الشراكة والإنقاذ وأيضًا حزب جبهة العمل الإسلامي، وهذا كله بالإضافة إلى باقي ما تبقى من الجماعة الأم التي على رأسها الشيخ همام سعيد الذي لا تزال قدماه هناك عند عام 1928 بينما رأسه في الألفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين.
والمشكلة أنَّ التنظيم المصري، الذي هو «التنظيم الأم»، بدلاً من أن يستجيب لاستحقاقات المرحلة الجديدة ولتطلعات أجيال القرن الحادي والعشرين بادر إلى العودة إلى الخلف وإلى مرحلة ما يسمى: «النظام» وإلى فترات تبني الإرهاب وإنْ بأسماء جديدة من بينها: «أنصار بيت المقدس»، وهذا سيعني وبالتأكيد أن نهايته كما هي نهاية الفروع الإخوانية، التي ستتبع خطاه، ستكون قريبة و«السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه»!!