ردة فعل قادة العالم لم تكن غير متوقعة، والتقليد المتبع، خصوصا بين الدول التي لا تمر بحالة من العداء المتبادل، هو أن تقبل بإرادة الشعوب في اختيار ممثليها. ومن هنا انهالت التهاني أمس على الرئيس الأميركي المنتخب. وربما من أهم ردود الفعل على هذا الانتصار الذي جاء مفاجئا للجميع هو الموقف الأوروبي، بسبب العلاقات الاستراتيجية الدفاعية بينها وبين الولايات المتحدة التي تعتبر العضو الأهم في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

خلال حملته الانتخابية شكك الرئيس المنتخب دونالد ترامب في جدوى الإنفاق الأميركي على الدفاع الأوروبي من خلال حلف شمال الأطلسي (ناتو) لا سيما فيما يتعلق بالدول الأقرب لروسيا في الشرق. وقال إن على الدول الأوروبية أن تتحمل نفقات الدفاع عن نفسها. لكن مع انتخابه رئيسا أمس سعى سفراء الولايات المتحدة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لطمأنة أوروبا بأن التعاون الوثيق سيستمر في أعقاب انتخاب دونالد ترامب رئيسا للبلاد. وقال دوغلاس لوت سفير واشنطن للحلف خلال اجتماع مع دبلوماسيين أوروبيين في مقر السفارة الأميركية في بروكسل إن هناك مجالا كبيرا للاستمرار وإن حلف الأطلسي لطالما كان مهما بالنسبة للحزبين الجمهوري والديمقراطي. وحث السفير الأميركي للاتحاد الأوروبي أنتوني غاردنر الذي عينه الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما الأوروبيين على عدم تكوين افتراضات بشأن طبيعة إدارة ترامب. وقال للصحافيين: «من السابق لأوانه الوصول لنتائج». وقال: «أي إدارة أميركية ستدرك أهمية.. العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. امنحوها الوقت».

وهنأ ينس ستولتنبرغ أمين عام «الناتو» دونالد ترامب لفوزه في الانتخابات الرئاسية وشدد على أهمية القيادة في واشنطن في ظل «البيئة الأمنية الجديدة والصعبة». وقال: «القيادة الأميركية تظل مهمة كما كانت دائما.. وأتطلع إلى العمل مع الرئيس المنتخب ترامب».

وأضاف: «إن قوة حلف الناتو تصب في صالح الولايات المتحدة وكذلك في صالح أوروبا»، مشيرا إلى أن «هناك المزيد من العمل» الذي يتعين القيام به في ضوء التهديدات التي من بينها الحروب غير التقليدية والهجمات الإلكترونية والإرهاب.

كما وجه رئيس المفوضية الأوروبية جان - كلود يونكر ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك دعوة إلى ترامب لعقد قمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في أوروبا حين يسمح له الوقت بذلك. وفي رسالة تهنئة مشتركة لترامب على فوزه، وجه يونكر وتوسك «دعوة له للتوجه إلى أوروبا لعقد قمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في أول فرصة ممكنة له»، مؤكدا أن «تعزيز العلاقات بين الطرفين مهم أكثر من أي وقت مضى». وأضافا «فقط عبر التعاون بشكل وثيق يمكن للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن يواصلا إحداث فارق للنهوض بتحديات غير مسبوقة مثل (داعش) أو تهديدات لسيادة أوكرانيا والتغير المناخي والهجرة». وقالا: «لحسن الحظ الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عريضة وعميقة».

كما هنأت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الرئيس الأميركي المنتخب بفوزه. وفي الوقت ذاته ذكّرت المستشارة الألمانية ترامب في برلين بمسؤوليته عن النمو العالمي في ظل القوة العسكرية والاقتصادية التي تمتلكها الولايات المتحدة. أضافت ميركل: «من يحكم هذا البلد بكل ما تمتلكه من قوة اقتصادية جبارة وقدرات عسكرية وقدرتها على التأثير الثقافي يتحمل المسؤولية التي يشعر بها الناس في كل مكان في العالم تقريبا». وأكدت ميركل أن ألمانيا وأميركا تربطهما قيم مشتركة مثل الديمقراطية والحرية والاحترام والقانون وكرامة الإنسان بصرف النظر عن أصله ولون بشرته ودينه وجنسه وتوجهه الجنسي أو موقفه السياسي. تابعت ميركل: «على أساس هذه القيم أعرض على الرئيس المقبل للولايات المتحدة دونالد ترامب التعاون الوثيق».

وقال وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون إنه يتطلع لمواصلة الشراكة بين الولايات المتحدة وبريطانيا. وسبق أن وجه جونسون انتقادات لترامب الجمهوري. وقال جونسون الذي كان رئيس بلدية لندن في حسابه على موقع تويتر: «أؤمن بقوة بأهمية العلاقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وأنا على ثقة أننا نستطيع النهوض بها معا». وفي العام الماضي قال جونسون إنه يخشى الذهاب إلى نيويورك لأن «هناك احتمالا حقيقيا بلقاء دونالد ترامب» بعد أن قال الملياردير إن مناطق من لندن باتت متطرفة لدرجة أن أفراد الشرطة أصبحوا عاجزين عن فرض القانون فيها خوفا على حياتهم.

وجاء الرد الفرنسي ليعكس حالة التخوف الأوروبي خلال المرحلة القادمة. إذ حذر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من «مرحلة من الغموض» مع انتخاب الجمهوري ترامب رئيسا للولايات المتحدة، داعيا إلى وحدة صف أوروبية. وبعدما كان الرئيس الفرنسي الاشتراكي ندد بـ«تجاوزات» المرشح الجمهوري، «هنأه» رسميا «كما هو طبيعي بين رئيسي دولتين ديمقراطيتين»، في تصريح مقتضب من قصر الإليزيه. لكنه حذر عن «غموض» يحيط بـ«السلام» و«مكافحة الإرهاب» و«الوضع في الشرق الأوسط» و«العلاقات الاقتصادية» و«حماية الأرض»، في إشارة إلى اتفاق باريس حول المناخ الذي توعد دونالد ترامب مرارا بالانسحاب منه. وقال: «سأباشر من دون إبطاء حول كل هذه المواضيع نقاشا مع الإدارة الأميركية الجديدة» مذكرا بأن «الولايات المتحدة هي شريك ذو أهمية قصوى لفرنسا». وتابع: «إن هذا الوضع يدعو أيضا إلى أوروبا موحدة قادرة على التعبير عن موقفها وتطبيق سياسة حيث تكون مصالحها أو قيمها على المحك: الحرية، الكرامة، اللحمة الاجتماعية، مكافحة الفقر». وقال: «علينا إيجاد أجوبة، لدينا الأجوبة، ويجب أن تكون قادرة على تخطي المخاوف»، في وقت تواجه بلاده أيضا صعودا للخطاب الشعبوي قبل أقل من ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرو قد صرح سابقا بأن بلاده سيكون عليها أن توضح مع الولايات المتحدة مسائل رئيسية مثل الصراع في سوريا والصفقة النووية لإيران والتغير المناخي إذا صار المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية رئيسا للولايات المتحدة. وأضاف ايرو لتلفزيون «فرنسا 2» أنه كان يفكر في أن شخصية ترامب مثيرة «للتساؤلات.. تجعلك تفكر وتطرح أسئلة وربما تثير ردود فعل».

وهنأ الفاتيكان الرئيس الأميركي الجديد. وأعرب عن أمله في أن تكون أفعال ترامب كرئيس مسؤولة أكثر من شعاراته كمرشح. وقال الكاردينال بييرو بارولين، وزير خارجية الفاتيكان: «تمنياتنا للرئيس الجديد بأن تكون إدارته مثمرة حقا، وصلواتنا للرب بأن يمنحه النور ويدعمه في خدمة بلاده». وقال بارولين، الذي يعد أيضا رئيس حكومة الفاتيكان: «أعتقد أننا اليوم في حاجة للعمل معا جميعا لتغيير الوضع في العالم، والذي ينقسم بشكل خطير ويتصارع بشكل خطير».

وردا على سؤال حول تعهد ترامب ببناء جدار على الحدود المكسيكية، والذي انتقده بابا الفاتيكان فرنسيس الأول، قال بارولين: «من الطبيعي إنهم يقولون: أن تكون مرشحا فهذا أمر، وأن تكون رئيسا فهو أمر آخر. أعتقد أنه من السابق لأوانه أن نصدر حكما».

كما هنأ الرئيس الصيني شي جين بينغ الجمهوري ترامب بفوزه بالرئاسة وقال إنه يتطلع إلى العمل معه، بحسب ما أورد تلفزيون «سي سي تي في» الرسمي. ونقل التلفزيون عن الرئيس الصيني قوله «أقدر العلاقات الصينية الأميركية وأتطلع إلى العمل معكم والتمسك بالاحترام المتبادل بعيدا عن النزاعات والمواجهات». وأضاف أن الصين والولايات المتحدة بوصفهما أكبر اقتصادين في العالم، تتحملان مسؤولية حماية السلام والاستقرار العالميين وتشجيع الازدهار العالمي، بحسب ما نقل التلفزيون. وأضاف أن «تطوير علاقات صينية أميركية مستقرة وسليمة طويلة الأمد بما يصب في مصلحة شعبي البلدين هو ما يتوقعه المجتمع الدولي».

وتابع المواطنون الصينيون نتائج الانتخابات الأميركية، واستقبلوا فوز ترامب بمزيج من التفاؤل والدهشة. وكان ترامب هاجم سياسات الصين التجارية وألقى على بكين بمسؤولية خسارة الأميركيين الكثير من الوظائف ووعد بفرض تعرفة جمركية بنسبة 45 في المائة على السلع الصينية الصنع.

أما رئيس الوزراء الهندي فشكر ترامب على «الصداقة» التي أظهرها للهند خلال حملته الانتخابية. وقال ناريندرا مودي في رسالة للرئيس الأميركي المنتخب: «نحن نقدر الصداقة التي أظهرتها تجاه الهند خلال حملتك الانتخابية». وأضاف: «نتطلع للعمل معك بصورة وثيقة لرفع العلاقات الثنائية بين الهند وأميركا لمستوى جديد». وكان ترامب قد أشاد خلال خطاب انتخابي أمام الناخبين الأميركيين من أصل هندي الشهر الماضي برئيس الوزراء الهندي، وتعهد بأن الهند وأميركا سوف يصبحان «أفضل أصدقاء» إذا تم انتخابه. وقد احتفل أعضاء من حركة هندو سينا اليمينية بفوز ترامب بوسط دلهي، حيث قاموا بالرقص وتوزيع الحلوى.

وقالت رئيسة الوزراء النرويجية إرنا سولبرج إن أوسلو تسعى لاستمرار العمل للحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية، أما رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوك راسموسن فقال «الآن بعدما هدأت الأجواء الانتخابية، أتمنى أن تستمر الإدارة المقبلة في التعاون المنفتح والبناء الذي كان سمة رئيسية لأميركا خلال الأعوام الماضية».

وأضاف: «أوروبا في حاجة لأميركا قوية».

أما رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي فقد أعرب عن أمله في علاقات مستقرة لبلاده مع الولايات المتحدة الأميركية. وقال رينزي: «إنها حقيقة سياسية جديدة تظهر مع أشياء أخرى أننا في عهد جديد».

وأكد أنه مقتنع أن العلاقة الودية بين إيطاليا والولايات المتحدة الأميركية ستظل «قوية ومتينة».

وأعرب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي عن تطلعه للتعاون عن كثب مع الرئيس الأميركي.

وقال في بيان إنه يتطلع إلى «المزيد من تعزيز العلاقات بين اليابان والولايات المتحدة وأن يلعب الجانبان دورا رائدا لضمان السلام والازدهار في منطقة آسيا - المحيط الهادي».