محمد طيفوري 

نستعمل في حياتنا اليومية جملة من الإشارات والرموز والحركات التي غدت جزءا أصيلا فيها، وضمن سياقات مختلفة إما شفاهة أو كتابة أو رمزا، للكشف عن إحساس يخالجنا أو تعبيرا عن رأينا تجاه قضية أو تسجيل موقف معين. تدريجيا تحولت هذه الرموز والإشارات إلى لغة تخاطب عالمية يتواصل بها الجميع، ويستطيع الكل فهم مضمونها وإدراك رسالتها، حتى وإن كان المتخاطبون بها لا يتقاسمون اللسان ذاته فيما بينهم.

أكيد أن الواحد منا قد يستعمل إحدى الحركات عشرات المرات في اليوم الواحد أحيانا، خصوصا مع الطفرة المتنامية والممتدة في الشبكات الاجتماعية؛ علما أن هذه الرموز تعد أحد أهم مرتكزات التواصل في منظومة السوسيال ميديا، دون أن يراودنا التساؤل أو الاستفهام حول أصل تلك الحركة ودلالة ذاك الرمز أو فقط المعنى الأولي لهذه الإشارة عند نشأتها الأولى، إذ معظمها تعرض لتحريف مع مرور الوقت. فلا شك أن لكل واحدة منها أسباب نزول وسياق تاريخي ظهرت فيها قبل أن تكتسي طابع العالمية اليوم.

تعد كلمة "أوكي" OK التي تستعمل للإعلان عن الموافقة والإيجاب واحدة من أشهر تلك الإشارات، التي انتقلت من اللغة الإنجليزية لتكتسي بعدا دوليا بحضورها في كل اللغات. وتفيد هذه الكلمة بالعربية معنى "حسنا"، وقد تصاحب هذه الكلمة إشارة باليد؛ فمتى كانت الأصابع مضمومة والإبهام إلى الأعلى فذاك دلالة على الموافقة، لكن بمجرد ما يقلب إلى الأسفل حتى يفيد النقيض؛ أي الرفض.

تعددت الروايات بشأن أصل هذه الكلمة حد التضارب، ما دفع الإتيمولوجي الأمريكي ألان ووكر ريدAllen Walker Read إلى القيام بحفريات في أصول هذه الكلمة، إذ وجد أنها اختصار لعبارة Oll Korrect التي وردت في مقال ساخر من قواعد اللغة نشِر في صحيفة The Boston Morning Post عام 1839.

تدريجيا تحولت هذه الرموز والإشارات إلى لغة تخاطب عالمية.

بينما يتجه رأي آخر إلى اعتبارها اختصارا للأصوات الأولى من جملة All correct، بينما يذهب أصحاب الرواية الثالثة إلى ربط نشأة العبارة بشخص يدعىObediah Kelly، يعمل وكيل شحن في سكة للحديد، وكانت عبارة Ok بمثابة توقيع له على وثائق الشحن؛ إذ مجرد وجودها على البضاعة أدرك الآخرون أنها نالت الموافقة والقبول. أما أحدث الأقاويل في هذه الكلمة، فيعود بنا لأجواء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تعنيzero killed، وتقال حين لا تكن هناك إصابات في صفوف الجنود؛ فاختصار كلمة OK في أجواء الحرب كان مرادفا لأن كل شيء على ما يرام.

من الإشارات التي تم تحريفها عن معناها الأصلي، الذي كان يفيد التحدي وروح الانتقام قبل أن يبتذل ليصبح إشارة نابية بمدلولات اللعنة، "سحقا"، "تبا لك"...إلى غيرها من الألفاظ الساقطة، حركة رفع الأصبع الأوسط من اليد في حالة الغضب أو الانفعال أو الضجر. في أسباب نزول هذه الحركة تفيدنا المؤرخة البريطانية جولييت باركرJuliet Barker بأنها مرتبطة بمعركة أجينكور، بداية القرن الـ 15 بين الجيش الفرنسي (12 ألف جندي) المجهز عدة وعتادا، والجيش الانجليزي (ستة آلاف جندي) الذي يشكل رماة النبال أغلب عناصره. عن بداية المعركة كان التفوق لمصلحة الفرنسيس بحكم العدد والتجهيز، وكانوا يلجأون إلى قطع الأصبع الأوسط ممن يسقطون بين أيديهم من الأسرى الإنجليز حتى لا يستطيعون بعد ذلك إطلاق السهام عليهم، خصوصا أنها من النوع الذي ينتهي بالريش الطويلة، ما يعني أنها تعتمد على الأصبع الأوسط في الرماية وتحديد الهدف.

لكن سرعان ما انقلبت الموازين وتغيرت نتائج المعركة، عندما تحول نصر الفرنسيين إلى هزيمة. فكان الجنود الإنجليز يشيرون إليهم بالأصبع الوسطى للدلالة على أن أصابعهم لا تزال قادرة على الرماية، ومنذ ذلك الوقت عرفت هذه الحركة التي كانت تعبيرا عن التحدي. وتبقى أشهر هذه الإشارات هي إشارة النصر V التي ترسم بأصبعي السبابة والوسطى، عند الانتصار والفوز أو النجاح والتفوق، كما يمكن أن تحمل دلالة على الإصرار والصمود. تعود شهرة هذه الحركة إلى ستينيات القرن الماضي، حين استخدمها رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرتشل بمعنى النصر Victory.

والعلامة حسب بعض المصادر التاريخية من اختراع المحامي البلجيكي فكتور دو لافيلاي بداية عام 1941؛ أي إبان الحرب العالمية الثانية، حين اقترح الرجل استخدامها كرمز لحملة دعائية ضد النازيين، فتلقفها تشرتشل وراح يرفعها علنا في كل خرجاته الإعلامية، حتى بعد انتهاء الحرب كشعار شخصي خاص به.

يذكر أحدهم نقلا عن موسوعة جينيتس أن هذه العلامة يمكن أن تعني النصر، كما تحمل الدلالة على الإهانة أيضا، فإذا ارتفع الأصبعان من ناحية باطن الكف فإنها علامة النصر، أما إذا كان ظاهر الكف في مواجهة المشاهدين فإنه تعبير عن الإهانة والتحقير. وكانت ثاتشر أول من استخدم هذه العلامة معبرة بها عن الإهانة أثناء حرب "فوكلاند" ضد الأرجنتين، حين عمدت إلى رفع أصبعيها بالاتجاه المعاكس.

أما عن تاريخ أهم حركة في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم؛ أي الإبهام إلى الأعلى أو نحو الأسفل فالبحث يفيد بأن أصولها ضاربة في العراقة، إذ استعملت لأول مرة في العصر الروماني مع تقاليد المصارعة الرومانية، وكانت الوسيلة التي يستعملها الجمهور كي يقرر ما إذا كان يجب قتل المصارع الخاسر أم إبقاءه على قيد الحياة.