أي سرّ جمع الخصوم والأصدقاء لانتخاب عون أهو عصر إيراني عابر وتمهيد لتحييد لبنان؟

اميل خوري

أيّ سرّ هو الذي جمع فجأة خصوم العماد ميشال عون اللدودين وخصوم "حزب الله" والأصدقاء لانتخابه رئيساً للجمهورية، ومن دفع ثمن ذلك وأين؟ وهل يمكن القول إن بانتخابه كانت بداية تقاسم النفوذ في المنطقة فدخل لبنان عصراً ايرانياً عابراً للتخلص من الوضع الشاذ، بعدما كان قد دخل العصر السوري للتخلص من حكم الميليشيات تمهيداً لتحييده؟

ثمة من يقول إن السعودية بات لا همّ لها في الوقت الحاضر سوى التخلص من حرب غرقت فيها في اليمن ولم تستطع حسمها خلال الوقت المحدد فتحوّلت حرب استنزاف. وقد يكون إخراج لبنان من أزمة الانتخابات الرئاسية بما يرضي ايران يسهّل اخراج اليمن من أزمتها بما يرضي السعودية، ثم ينتهي العصر الايراني بالاتفاق على تحييد لبنان عن صراعات المحاور حفاظاً على وحدته أرضاً وشعباً ومؤسسات، وعلى سلمه الأهلي، فيكون مرور لبنان بالعصر الايراني الموقت مدخلاً لتحييد يؤمن للبنان الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الدائم والثابت. وإذا كانت اليمن تهمّ السعودية فإن ايران تهمها سوريا لأن من يقبض على زمام النفوذ فيها إنما يقبض على زمام أكثر من دولة في المنطقة، ومنها لبنان حتى وإن صار تحييده الذي يبعده عن هواجس تذويبه في كيان أي دولة، ولا تعود المناصب الكبرى فيه موزعة طائفياً تبديداً لها، بل يصير في الامكان توزيعها على أصحاب الكفاية والجدارة الى أي طائفة انتموا، ولا يعود الصراع بالتالي كما هو الآن على السلطة بل على المشاريع الانمائية في كل المناطق وتحقيق أولويات الناس، ومن يقدم الأفضل منها.


وإذا كان لبنان بداية تقاسم مناطق النفوذ في المنطقة، فكان موقتاً من حصة ايران للخروج من أزمة الانتخابات الرئاسية تمهيداً للدخول في سياسة تحييده، فإن هذا التقاسم يكتمل عندما يتم التوصل الى حلول للحروب الدائرة في العراق وسوريا واليمن وليبيا. وقد لا يكون حل النزاع العربي - الاسرائيلي والاسرائيلي - الفلسطيني خارج هذه الحلول، بل يعود البحث جدياً مع قيام الادارة الاميركية الجديدة في حل الدولتين، وهو حل يصير مقبولاً عندما تشعر اسرائيل وكل دولة في المنطقة أنها أصبحت تعيش داخل حدود آمنة. واذا كان لبنان يشكو حالياً من وجود سلاح خارج الدولة، ولا سيما من سلاح "حزب الله"، فإن انتفاء أسباب وجوده يحوّل الحزب من الجهاد العسكري الى الجهاد السياسي كسائر الأحزاب وبتكافؤ في ما بينها. واذا كانت اسرائيل تشكو من سلاح الفصائل الفلسطينية فإنها ترتاح منه عندما تقبل بحل الدولتين أساساً للسلام.


هل يكون انتخاب العماد عون رئيساً بداية تفسير حلم ليلة صيف... وفي ظل عصر إيراني عابر تطميناً لـ"حزب الله"، كي يتخلى عن سلاحه ويصبح لإيران دور في المنطقة بحسب حجمها، فلا تظل أي دولة تهدد أمن دولة أخرى وتتدخل في شؤونها فيبقى هذا الأمن مهتزاً؟ وهل يكون العام 2017 عام بداية الانفراجات بعد أعوام مليئة بالانفجارات والأزمات، وتبدأ مع الادارة الأميركية الجديدة وليست المتجددة العلاقات الطبيعية مع كل الدول، ولا سيما مع روسيا الاتحادية بحيث تنعم الشعوب بالأمن والأمان والرفاهية بعد حروب قاسية أفقرت شعوبها وهجّرتها، وعندما تنعم الشعوب بالبحبوحة والازدهار ويرتفع مستوى معيشتها، فإن هذا يشكل أكبر عامل لمكافحة الإرهاب الذي لا ينمو إلا في مجتمع الفقر والبؤس والحرمان ويولّد حب العنف والانتحار، إذ لا شيء يولّد العنف والانتحار سوى الفقر والقهر.


أما الحكومة التي يجري تأليفها برئاسة سعد الحريري، فأياً يكن تشكيلها وشكل تمثيل القوى السياسية الأساسية فيها، فإنها حكومة الستة أشهر. وأما الحكومة التي تخلفها فهي التي تعطي للبنان صورته الحقيقية ولسياسته وجهها الصحيح لأنها تكون قد انبثقت من مجلس نيابي جاءت به نتائج انتخابات ديموقراطية حرة ونزيهة وعلى أساس قانون عادل ومتوازن ينصف كل المذاهب والطوائف ويجعلها تشعر بأنها ممثلة أفضل تمثيل بالنواب الذين فازوا فيها. وهذا يطرح السؤال: هل تستمر معادلة عون رئيساً للجمهورية لست سنوات والحريري رئيساً للحكومة لمدة مماثلة، أم أن نتائج الانتخابات النيابية المقبلة قد تغيّر هذه المعادلة، فيكون الرئيس عون ضمن مدة رئاسته ست سنوات والحريري لم يضمن سوى رئاسة لمدة ستة أشهر، ثم انتظار نتائج الانتخابات النيابية التي قد تفرض معادلة جديدة.