ثريا شاهين

من المبكّر لأوانه الحكم على طريقة تعامل الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مع الاتفاق النووي الذي وقّع مع إيران، وطريقة التعامل هذه، ستستند وفقاً لمصادر ديبلوماسية، الى فريق العمل الذي سيشكله وإلى رأي الاستخبارات والكونغرس.

وحكماً فإن التظاهرات الشعبية الحاصلة في العديد من الولايات الأميركية، ستلقي بثقلها على قرارات ترامب، ولا يمكنه عدم أخذها في الاعتبار، وبالتالي، من غير الضروري أن ينفّذ كل الكلام الذي صدر عنه. كما لا يستطيع وبكل بساطة إلغاء الاتفاق، أو إعادة التفاوض حوله.

فالاتفاق بات أيضاً متفقاً حوله في مجلس الأمن الدولي الذي استصدره بقرار، واي تناقض مع هذا القرار، يعني مخالفة له. كذلك، فإن الاتفاق هو بين ست دول كبار مع إيران وليس موقعاً فقط بين الأخيرة والولايات المتحدة، وبالتالي، أي تغيير في مساره يبدو صعباً.

وتؤكد المصادر أن ترامب الذي لا يتمتع بخبرة في الملفات الخارجية، سيملي عليه موقعه لاحقاً العمل وفاء للأهداف التي تقف وراءها الاستراتيجية الأميركية والتي لا تتغير بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس.

هذه الأهداف هي دعم الاقتصاد الأميركي ومحاربة الشيوعية ومحاربة الارهاب، والدفاع عن أمن إسرائيل. ولكن كيف تتم محاربة الشيوعية والارهاب، هل بالانقلابات أو عبر التيارات الدينية، أو عن طريق الجيش أو العسكر أو الاخوان المسلمين؟

إن أي خيار يُعتمد يبقى في إطار التكتيك، أما الاستراتيجية فلا تتغير. كما تشدد المصادر على أنّ ترامب في النهاية سيُبقي على سياسة التوازن بين دول الخليج وإيران، في المنطقة، بحيث لا يكون هناك طغيان لا لإيران ولا للخليج الذي تعتبر واشنطن أنه داعم الى حد كبير التوجهات الاسلامية. أما مصلحة إسرائيل فهي استراتيجية، وستكون لها تأثير على سياسة ترامب. ويهم الولايات المتحدة أن يبقى التنافس السني – الشيعي قائماً، وأن لا تكون هناك غلبة لأي فريق. لذلك، فإن بلورة ترامب للتكتيك الذي سيعتمده لحماية مصالح أميركا في العالم تلزمه أشهر قليلة. وسيدرس كل التقارير التي توضع له من الجهات الأميركية المعنية تمهيداً لاتخاذ القرارات المناسبة.

وترجح المصادر، أن يلجأ ترامب الى التشدد في تنفيذ الاتفاق النووي، بحيث يبقي التوازنات قائمة، من دون أن يتضح منذ الآن ميله في أسلوب مكافحة الارهاب، ما إذا كان عن طريق الجيوش، أو عن طريق الاخوان المسلمين.

وترى المصادر، أنّ ترامب سيعتمد سياسة مشابهة لسياسة باراك أوباما في مجال عدم التدخل، ولكن مع اندفاعة أكثر لأولوية مكافحة الارهاب، في حين أنه لو فازت هيلاري كلينتون لكانت ذهبت أبعد في مسائل المنطقة لا سيما وانها أيدت تدخلاً أميركياً أكثر حسماً في سوريا. أي أن أي رئيس سيتبّع السياسة والتكتيك اللذين يعتبرهما من وجهة نظره يعطيان نتيجة في سياق الاستراتيجية الكبيرة لبلده.

وتفيد مصادر ديبلوماسية أخرى، أنه بإمكان ترامب الضغط على إيران عبر نواح أخرى غير إلغاء الاتفاق أو إعادة التفاوض حوله. إذ يمكنه تقوية وتشديد العقوبات الدولية عليها والتي لم يطلها الاتفاق أي ما يتصل بحقوق الانسان والارهاب، فضلاً عن وقف التسهيلات الأميركية التي كان الرئيس أوباما اعتمدها حيال التعاطي المصرفي مع إيران كنتيجة للاتفاق النووي، وهي تخفف من عقوبات أميركية قديمة منذ أيام الثورة واحتلال السفارة الأميركية في إيران. وبالتالي يمكن لترامب أن لا يعطي هذه التسهيلات للاستثمار في إيران، أي عرقلة تنفيذ الاتفاق. والانتقاد الأساسي للاتفاق، من جانب الجمهوريين في الولايات المتحدة، يتناول مسألة أن ايران تفعل ما تريده في ملفات الشرق الأوسط ولم يتم الاتفاق معها على قضايا سياسية، في وقت أن الاتفاق كسر عزلتها الدولية من دون أن يطلب إليها فعل شيء للمنطقة.

منذ الآن لم تتبلور بعد الطريقة التي سيعتمدها ترامب لوضع حدود لما تفعله ايران في المنطقة، وهو الهدف الذي يسعى إليه، لكن تفاصيله غير واضحة وتنتظر تركيبة الادارة الجديدة التي ستواكب رئاسته. ومن المؤكد أنه سيزيد الضغط على إيران، لكن السؤال كيف، وفي أي اتجاه، وما هي الوسيلة التي سيعتمدها؟ إيران تفعل ما تريده الآن في سوريا والعراق واليمن، وكذلك فعلت في لبنان. وكان توجه إدارة أوباما بأن لا يتم الضغط كثيراً عليها خوفاً من أن تخرج عن الاتفاق النووي.