بسام البدارين

يمكن لأي زائر للعاصمة التركية أنقرة أن يلمس مباشرة مستوى وحجم الاهتمام الإعلامي الواسع والكبير بمسار الأحداث في الموصل جنوبي البلاد.

ولا تغيب كلمة «الموصل» إطلاقا عن خطابات الرئيس رجب طيب أردوغان ولا رئيس الوزراء بن علي يلدريم، والرقابة مكثفة لكل ما يجري فيها، الأمر الذي تعكسه جميع وسائل الإعلام التركية وعلى الأخص الشبكة التلفزيونية الضخمة التي تدار لمخاطبة الشارع العربي.
مؤخرا ومن باب الاحتياطات الاحترازية تم تعزيز تحصينات معسكر بعشيقة العسكري التركي داخل الأراضي العراقية، بالتعاون مع القائد الكردي مسعود البارزاني.
ورغم أن معسكر بعشيقة أقيم بناء على طلب الأكراد ولأغراض التدريب فقط إلا أن معدات قتالية تم إدخالها إليه أخيرا وبعد الملاسنة الشهيرة بين أردوغان ورئيس حكومة بغداد حيدر العبادي، مع تعزيز الكادر البشري في هذا المعسكر الاستراتيجي الذي يعتقد أنه مفتاح التصور التركي لمستقبل الموصل على نحو أو آخر، كما يؤكد لـ»القدس العربي» دبلوماسي عربي مقيم في أنقرة.
وفي محيط رئيس الوزراء يلدريم وكذلك في مكاتب وزارة الخارجية التركية تتردد بقوة العبارة التي تقول إن الموصل من الأراضي التركية وبموجب معاهدات دولية ، والمقربون من أردوغان يؤكدون بأن ملف الموصل له صلة مباشرة بالأمن القومي التركي ولا يمكن التساهل به.

طبعا لا يعلن مثل هذا الموقف رسميا أو عبر الإعلام الرسمي، بل يتم التركيز على العبارة العميقة التي تعكس طبيعة التفكير التركي العميق بوضع الموصل، والتي صدرت عن يلدريم عندما أعلن تحت قبة البرلمان بأن تركيا و»استنادا إلى اتفاقية سايكس بيكو لن تقبل أي تغيير في الطبيعة الديمغرافية ونقل السكان في الموصل».
كانت تلك من المرات النادرة التي تستخدم فيها تركيا رسميا اسم اتفاقية دولية باللغة التركية تعود في طبيعتها لبروتوكولات تقسيم سايكس وبيكو الشهير.
برأي خبراء السياسة التركية فأنقرة لا تريد الآن القول بأن الموصل «تركية» فعلا لكنها توحي بأنها مستعدة للتعامل على هذا الأساس مع الموقف إذا انتهت عملية الموصل العسكرية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» الإرهابي بنزوح سكان الموصل أو تحريكهم أو استبدالهم، وهو ما حذر منه علنا أردوغان ويلدريم.
معنى ذلك أن تركيا مستعدة للتحرك عسكريا إذا ما سعت بعض الأطراف العراقية لتحريك كتلة ديمغرافية ضخمة من سكان الموصل أو تغيير وضعها الاجتماعي والطائفي، وعمليا استهداف الوجود الديمغرافي السني في ثاني أكبر مدن العراق.
وذلك كان مضمون رسالة باطنية عبر طرف ثالث تم إيصالها من أردوغان إلى حيدر العبادي.
في المقاربات التي تبرز داخل مؤسسات القرار التركي يمكن ببساطة الإصغاء للنظرية التي تقول إن الموصل أرض تركية أصلا والاتفاقية الدولية ضمنت إعادتها للولاية التركية بعد خمسة أعوام، أي عام 2023
مراقبون كثر يطرحون السؤال التالي: هل تمهد تركيا أردوغان الأرضية لاستعادة الموصل أو إلحاقها بها على طريقة جزيرة قبرص، خصوصا مع وجود أغلبية سنية ساحقة بين أهالي المدينة وعرق تركي لا يمكن إنكاره؟
الإجابة هنا لا تبدو متاحة ببساطة، فالمؤسسة التركية الرسمية تنفي أي خطط للعودة لإدارة وحكم الموصل، وتكتفي بالتحذير من تغيير تركيبتها الديمغرافية، وهو ما لن تقبله بكل الأحوال، الأمر الذي توضحه وتشرحه عبارة يلدريم بالخصوص.
في المقابل يقدر خبراء أتراك بأن الوضع العراقي منفلت وأن حكومة العبادي تحت يافطة التصدي لتنظيم «الدولة الإسلامية» لن تستطيع كبح جماح المجموعات الشيعية المسلحة التي تحتفظ بأطماع علنية في تغيير الوضع الاجتماعي والسكاني داخل الموصل… هنا تحديدا ستتغير قواعد اللعبة في تركيا نفسها وستصبح الاتفاقية التي يتحدث عنها يلدريم أساسا لشرعية قانونية ومرجعية تؤسس للتحرك التركي عسكريا باتجاه الموصل وبتلك اليافطة نفسها التي استدعت السيناريو القبرصي حيث دخل الجيش لحماية السكان وبطلب منهم.
عليه يمكن القول إن السيناريو القبرصي يوفر احتمالات في معادلة الموصل، وهي الرسالة التي أرسلت لحيدر العبادي والقوى الدولية على أساس أن تركيا لن تجازف بأمنها القومي بحيث تسمح بنزوح أعداد كبيرة من أهل السنة في الموصل لصالح إيران وميليشياتها المسلحة.