سليمان جودة

الآن.. أين يقع طموح ترامب سياسيًا في أرض العرب، إذا ما قورن بطموح أوباما بامتداد ثمانية أعوام حكم خلالها، ثم طموح هيلاري كلينتون لو كانت قد فازت؟!
الحقيقة أن طموح الرئيس المُنتخب يبدو واقفًا يترقب بين عاصمتين، ولا يستطيع أحد أن يقطع، منذ الآن، بما إذا كان الرجل سوف ينحاز إلى واحدة منهما، أم أنه سوف يكون له انحيازه الخاص الذي يتبنى رؤية ثالثة.
العاصمتان هما: أنقرة.. ثم الرباط!
والقصة في حاجة إلى شيء من التفصيل.
ففي بدء «الربيع العربي»، وتحديدًا في أثناء امتلاء ميدان التحرير في القاهرة بالمتظاهرين ضد نظام حكم حسني مبارك، كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أشد زعماء المنطقة حماسًا لأن يتخلى مبارك عن الحكم!
ولم يكن أحد وقتها يفهم سر هذا الحماس من جانبه، ولا كان أحد يستوعب شوق الرئيس التركي الشديد إلى اللحظة التي يرى فيها مبارك وقد تخلى عن الكرسي!
وقد تكفلت القصة، فيما بعد، بشرح نفسها بنفسها.. فالرئيس التركي كان يحكم في بلده من خلال حزب العدالة والتنمية، ابتداء من عام 2003. ومنذ ذلك العام، كان يقدم نفسه، ويقدم تجربة حزبه، على أن هذه هي تجربة حكم الإسلام السياسي المعتدل، وعلى أنها تجربة ناجحة، وعلى أنها تستحق أن يؤخذ بها في أكثر من عاصمة عربية!
ولأن الولايات المتحدة كانت خارجة من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ولأن اعتقادًا ساد لديها أن وجود الإسلاميين المعتدلين في الحكم في بلادهم يمكن أن يحتوي التطرف الذي ضربها خلال الهجمات، فإنها راحت تسمع إلى نصيحة إردوغان بأن تيار الإسلام السياسي المعتدل يمكن أن يحكم، ويمكن أن ينجح خارج تركيا، لا داخلها وحدها.
ولم يكن أوباما وهو يتحمس لتخلي مبارك عن السلطة في عز ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، بعيدًا عن هذه الصورة.. إن بديل نظام مبارك لدى الإدارة الأميركية كان جاهزًا، ولم يكن هذا البديل سوى حكم جماعة الإخوان باعتبارها تيارًا سياسيًا معتدلاً، من نوع تيار إردوغان.. أو هكذا جرى ترويج القصة لدى الأميركان.
وكان أن جاءت الجماعة لتحكم، ثم كان أن سقطت، ثم كان أن أصيب إردوغان بما يشبه الجنون لسقوطها. وقد كان، ولا يزال، يدعم تيارها سياسيًا وإعلاميًا، ولا تُتاح أمامه فرصة إلا ويبدي دعمه لها، وحزنه على أنها فقدت الحكم، دون أن يسأل نفسه لماذا فقدته؟!
وكانت إدارة أوباما، وسوف تظل إلى لحظة المغادرة من البيت الأبيض، تبدي التعاطف التركي ذاته مع الجماعة الإخوانية، سياسيًا، وإن كان تعاطفها يخرج إلى الناس بالطبع في شكل مختلف.
ولأن أوباما لم يكن يستطيع أن يتحول بشدة وعنف عما ثبت له ولإدارته أنه غير ممكن، ولأنه لم يكن يستطيع أن يواجه نفسه، ويواجه أركان إدارته، بأن تعميم تجربة «العدالة والتنمية» التركي يبدو مستحيلاً معه، فإنه ترك مهمة التحول عن تجربة إردوغان إلى تجربة أخرى للإدارة القادمة من بعده!
ولم يكن ممكنًا أن يتم مثل هذا التحول إلا مع إدارة شبيهة بإدارته، بل إدارة تمثل امتدادًا لما عاش هو ثماني سنوات يؤمن به، ويسعى إلى تطبيقه، في القاهرة مرة، وفى تونس مرة أخرى، ثم في طرابلس الغرب مرة ثالثة!
وهذا بالضبط هو ما يفسر حماسته اللافتة لهيلاري كلينتون، كمرشحة رئاسية كان يأمل في أن تسكن البيت الأبيض من بعده. وقد وصل الحماس من جانبه لها إلى حد بدا في مواقف كثيرة وهو يدعو لانتخابها دون منافسها، وكأنه مدير دعاية لحملتها الانتخابية!
وكان التحول المُراد، من تجربة إلى تجربة أخرى، هو تحول من تجربة «العدالة والتنمية» التركي إلى «العدالة والتنمية» المغربي. وكان الفارق بينهما، رغم اشتراكهما في الاسم ذاته، أن الأول حكم ويحكم بمفرده، وأن الثاني يفعل الشيء نفسه منذ عام 2011، ولكن بالاشتراك مع الآخرين!
وكانت الفكرة أن وجود الإسلاميين في الحكم، إذا لم يكن متاحًا لهم بمفردهم في عواصم العرب، فليكن مع آخرين. ولم تكن هيلاري بدورها تخفي إعجابها بتجربة «العدالة والتنمية» المغربي، ولم يكن الأمر سرًا تخفيه هي، ولا الذين كانوا حولها. ولذلك، تسربت أنباء في صيف هذا العام عن أن نجاحها في سباق الرئاسة نحو البيت الأبيض سوف يتوازى معه السعي نحو تعميم تجربة إسلاميي المغرب في الحكم، فلا تبقى أسيرة العاصمة الرباط وحدها، وإنما تتجاوزها إلى غيرها من عواصم العرب!
ولم يكن أوباما يريد أن يدرك أن نجاح التيار الإسلامي في الحكم في أنقرة لا يعني أبدًا نجاحه خارجها، ولو تأمل تجربة الإخوان في مصر، بهدوء ودون موقف مسبق، لأدرك ذلك بسهولة. ولا كانت هيلاري تريد أن تدرك في المغرب ما عجز الرئيس الأميركي المنتهية ولايته عن إدراكه في تركيا!
والآن.. ماذا سوف يفعل ترامب؟! هذا ما سوف نراه ابتداء من 20 يناير المقبل، عندما يتسلم مهام الحكم رسميًا، لأن كل ما هو قبل ذلك، بما فيه كلامه وقت أن كان مُرشحًا، لا يسعفنا في هذا الطريق، وإن حاولنا، لأن التجربة تقول لنا إن كلام المرشح الرئاسي - أيًا كان - يختلف عن فعل المرشح نفسه في موقع الرئيس!