«فتح» الذاهبة لمؤتمرها السابع.. وتاريخها مع المحاولات الانشقاقية! 

صالح القلاب

المفترَض أن تعقد حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) مؤتمرها السابع في رام الله، في الضفة الغربية، يوم الثلاثاء المقبل، في التاسع والعشرين من هذا الشهر، وهو ثاني مؤتمرٍ تعقده هذه الحركة على الأرض الفلسطينية منذ انطلاقتها العسكرية في الفاتح من عام 1965، فقد سبقه المؤتمر السادس الذي انعقد في مدينة بيت لحم في الرابع من أغسطس (آب) عام 2009، بينما كان قد انعقد المؤتمر الخامس في تونس في الثامن من أغسطس عام 1988 بغياب خليل الوزير (أبو جهاد)، الذي كان قد اغتاله الإسرائيليون في السادس عشر من أبريل (نيسان) من ذلك العام نفسه، أي 1988، وحضور معظم القادة المؤسسين، وفي مقدمتهم ياسر عرفات (أبو عمار) الذي حسب آخر المعلومات تم اغتياله بمادة «البولونيوم» في عام 2004.
ولعل أخطر ما سيواجهه هذا المؤتمر هو الخلاف الذي غدا عاصفًا ومستحكمًا بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وعضو اللجنة المركزية (المفصول) محمد دحلان الذي يعمل الآن «مستشارًا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي تتردد معلومات غير مؤكدة أن «أتباعه» في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة أيضًا، سيحاولون التشويش على هذا المؤتمر الذي يسود اعتقاد لدى المراقبين في رام الله أنه أهم وأخطر مؤتمر تعقده حركة «فتح»، لأنه من المفترض أن ينتشل هذه الحركة من أوضاعها المرتبكة الحالية، ويعالج أمورها القيادية التي تعاني من اهتزازات وإشكالات كثيرة.
وهنا، فإن ما يجب أن يقال وتتم الإشارة إليه هو أن أخطر ما واجهته هذه الحركة، التي لا تزال تتصدر قيادة العمل الوطني رغم بروز حركة «حماس» متأخرة اثنين وعشرين عامًا، هو أنها كانت فقدت اثنين من أهم رموزها التاريخيين؛ الأول هو خليل الوزير (أبو جهاد)، والثاني هو صلاح خلف (أبو إياد)، وأنها كانت قد قدمت على المستوى القيادي عددًا كبيرًا من أهم قيادييها من بينهم أبو يوسف النجار وكمال عدوان وسعد صايل (أبو الوليد) وهايل عبد الحميد وعبد الفتاح الحمود وماجد أبو شرار، وهذا غير عدد من أعضاء المجلس الثوري الذين كان اغتالهم الإسرائيليون، خصوصًا في سبعينات القرن الماضي.
والآن وبينما تشعر حركة فتح، وهي ذاهبة إلى مؤتمرها السابع، بأنها مهددة بانشقاق جديد تحت وطأة التدخلات «الخارجية»!! فإن المعروف أن الانشقاقات بقيت ترافق هذه الحركة منذ تأسيسها، ولعل أخطر هذه الانشقاقات أولاً: الانشقاق الذي قاده صبري البنا (أبو نضال) بدعم من النظام العراقي السابق، عندما كان أحمد حسن البكر رئيسًا للدولة، وكان صدام حسين نائبًا له، ولعل ما شَكَّل خطورة فعلية على حركة التحرير الوطني الفلسطيني أن هذا الانشقاق تمكن من استقطاب عدد من أعضاء مجلسها الثوري، من بينهم ناجي علوش (أبو إبراهيم) ومحمد داود عودة (أبو داود)، ولعل ما يجب أخذه بعين الاعتبار في هذا المجال أن هؤلاء وغيرهم كانوا قد مروا على حزب البعث قبل انشقاقه في عام 1966، وكان بعضهم قد وصل إلى مواقع قيادية فيه، وثانيًا: الانشقاق الذي قاده، بترتيب من نظام حافظ الأسد بعد إخراج منظمة التحرير من بيروت في عام 1982، كل من «أبو موسى» وأبو خالد العملة وأعطي اسم حركة «فتح - الانتفاضة»، التي تُتهم باغتيال سعد صايل (أبو الوليد) في منطقة البقاع اللبنانية في العام نفسه.
وهذا يجعلنا نشير إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان وصل إلى الحكم في سوريا في عام 1963، قد بادر هو بدوره من أجل السيطرة على هذه الحركة إلى دفع كثير من الضباط الفلسطينيين (البعثيين) العاملين في الجيش السوري إلى الالتحاق بها، ومن بينهم النقيب يوسف عرابي الذي قُتل ومعه زميله محمد حشمه، في اشتباك داخلي خلال اجتماع في أحد «المكاتب الحركية» في دمشق، وحيث بادرت السلطات السورية إلى اعتقال عدد من قادة «فتح»، على رأسهم ياسر عرفات (أبو عمار) وخليل الوزير (أبو جهاد) ومن بينهم أبو صبري صيام وعبد الكريم العكلوك وزكريا عبد الرحيم ومختار بعباع وعبد المجيد زعموط.
لم تكن السلطات البعثية يومها قد شكلت منظمة الصاعقة - طلائع حرب التحرير الشعبية بعد، وكانت حركة «فتح»، التي كانت تُتَهم بتلقي الدعم من المملكة العربية السعودية وبعض الدول الخليجية قد استقطبت بعد انطلاقتها العسكرية مباشرة في عام 1965 التفافًا فلسطينيًا وعربيًا واسعًا مما دفع النظام البعثي للسعي للهيمنة على هذه الحركة، ودفْع بعض ضباطه الفلسطينيين العاملين في الجيش السوري إلى الالتحاق بها؛ فكانت تلك المواجهة الداخلية المبكرة في مايو (أيار) عام 1966 وكان اعتقال ياسر عرفات (أبو عمار) وخليل الوزير (أبو جهاد) ومن معهما، وكان أنْ بادر البعثيون لتشكيل تنظيمهم الفلسطيني المقاتل الخاص، فكانت قوات الصاعقة - طلائع حرب التحرير الشعبية هذه المشار إليها آنفًا التي كانت قد شكلت ثقلاً رئيسيًا في الساحة الفلسطينية قبل انقلاب حافظ الأسد في عام 1970.
وبالطبع فإن «بعثيي» العراق، مثلهم مثل رفاقهم (الأعداء) في دمشق، فإنهم، عندما فشل مشروعهم الانشقاقي الذي تزعمه صبري البنا (أبو نضال)، والذي أُعْطي اسمًا تنافسيًا هو حركة «فتح» - المجلس الثوري، قد بادروا إلى تشكيل جبهة التحرير العربية، وهنا فإن اللافت أن هذين التنظيمين اللذين من المفترض أنهما فلسطينيان لم يُشِرْ اسماهما إلى ما يدل على هويتهما الفلسطينية؛ فالأول اسمه طلائع حرب التحرير الشعبية - قوات الصاعقة والثاني اسمه هذا الاسم المشار إليها آنفًا: «جبهة التحرير العربية».
وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن جهات كثيرة بقيت تسعى لـ«غزو» حركة «فتح» من الداخل، وبقيت تحاول محاصرة قيادتها التاريخية بالانشقاقات، من بينها نظام معمر القذافي الذي كان ورث نظام البعث العراقي في احتضان صبري البنا (أبو نضال) وتنظيمه حركة «فتح» - المجلس الثوري الذي أصبح «بندقية للإيجار»، لكن بصورة عامة فإن هناك دولاً عربية، من بينها مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي عمومًا والأردن والجزائر وأيضًا المغرب، كانت استضافت قمة الرباط الشهيرة في عام 1974 التي اعترفت بمنظمة التحرير ممثلاً شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني، بقيت تنأى بنفسها عن إنشاء أي تشكيلات وتنظيمات فلسطينية، وإن شكلية، للمشاغبة على حركة «فتح» والتنكيد عليها.
وهكذا فإنه، بعد هذا الاستعراض المطول، لا بد من التأكيد على أنَّ «فتح»، التي هي في الأصل الثورة الفلسطينية، وهي منظمة التحرير، تتعرض الآن وهي ذاهبة إلى مؤتمرها السابع الذي من المقرر أن ينعقد في رام الله في التاسع والعشرين من هذا الشهر إلى بعض رياح السموم الانشقاقية وبتأثيرات باتت واضحة ومعروفة. لكن المؤكد، ورغم أن هناك بعض الأمور الداخلية غير المريحة، أن هذه الحركة التاريخية سوف تتجاوز هذا الامتحان الصعب كما تجاوزت امتحانات كثيرة سابقة، وأنها كطائر الفينيق، كما كان يصفها ياسر عرفات (أبو عمار)، الذي كان ينهض من بين الرماد ومن بين ألسنة النيران ليحلق في السماء مرة أخرى ومن جديد.