عدنان سليم أبو هليل

بعد الذي رأيناه من تدهور الأوضاع الوطنية، وفتك الجيوش الوطنية بشعوبها في بلاد الربيع العربي، صار البعض يقول ليتنا ظللنا على ما كنا قبله، بل وبدأت تتوطد في وجدان البعض المقولة القديمة البلهاء (ليس في الإمكان أبدع مما كان) ذلك يطرح السؤال حول شرعية هذا الربيع وصوابيته وما إن كان ينبغي أن يستمر أو يتوقف؟

وفي العموم يكون رائعًا ومعبرًا عن حقائق دينية ودنيوية القول ليست الثورة مقصودة لمجرد الثورة ولا هي الطريقة الوحيدة لإصلاح النظم، فكيف إذا أدت لما نرى من تفكيك الأوطان وشغل الأمة عن العدو الأساسي!

ولكن هذا التوصيف عام وهو في غاية السطحية إذا نظرناه من أربع زوايا:

- زاوية طبيعة هذه الأمة وما تحمله من رسالة وتتميز به من صفات وإمكانات.

- وزاوية طبيعة وسلوك وهوية هذه النظم المتخلفة بالمعنى الإنساني والقيمي ثم باستبدادها وخيانتها لمقاصد الإسلام ومصالح الأمة.

- وزاوية ما نضج لدى الفكر البشري عموما من اتجاه للتحرر والاستقلال واحترام حقوق الإنسان عبر العولمة السياسية والثقافية.

- ثم زاوية تلاشي قدرة هذه النظم على إقناع شعوبها بهوامشها ومقولاتها منذ الاستقلال في أواسط القرن الماضي حتى الآن.

من هنا فالصبر عليها لم يعد موقفا فكريا حقيقيا بقدر ما هو مدفوع بأحد أو بكل أربعة أسباب؛ والأسباب هي:

- إما مطلب شخصي لمن يريدون السلامة بأي ثمن مع مزيد من الذل والتفريط.

- أو سذاجة تقوم على عدم الدراية بالواقع وتحدياته، وعلى فهوم معوجة للدين ونصوصه وفروضه، وعلى تصديق دعايات تلك النظم.

- أو هو انتماء للخارج المتصلّب في عداوتنا وما يفرضه على أوليائه من مقتضيات التبعية السياسية والمصلحية.

- أو هو - أخيرًا - اندساس من أجهزة تلك النظم في لحمة الرأي العام يمتطي الفتوى الدينية أو التحليل السياسي عبر من يسمون بالخبراء والمحللين والصحفيين وبالعلماء الرسميين وعبر النخب والحزبيين.

ولكن؛ هل إنجازات الربيع العربي هي فقط الدماء والتهديم؟ أليس قد كشف زيفًا كثيرًا وحطم هالات كانت مقدسة زورا وبهتانا؟ أليس قد كشف إلى أي حد نحن مستعمرون ويتحكم فينا الأجنبي؟ أليس قد كشف كم هي عاجزة وغير مستقرة ولا مستقلة تلك الدول والنظم؟ أليس قد زكّى في مقابل ذلك أقواما سلميين مات آباؤنا وأجدادنا وربما آباؤهم وهم يظنونهم من الأشرار؟ أليس الوعي هو مطلع فجر الإرادة والقوة ثم النصر والتمكين؟ ثم هل انتهت الثورات لنقف عند هذا الحد في الحكم عليها وتقرير إنجازاتها؟

آخر القول: لا يجوز تصنيف ثورات الربيع العربي بالخاطئة دينًا ولا دنيا ولا سياسة ولا وطنية إلا بقدر ما تجوز تخطئة ثورات الجزائر وفلسطين وكوبا والأفغان، وبقدر ما يجوز الرضا بالذل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.. أما الدماء التي سفكها الطواغيت والأوطان التي خربوها فهي على غلاوتها وعزازتها إنما يتحمل مسؤوليتها تلك النظم، وأهلا وسهلا بها إن كانت ثمنًا لكل هذه الحقيقة.