علي نون

ليست جديدة المواقف الفرنسية من النكبة السورية ومن ارتكابات الرئيس السابق بشار الأسد. ولن يكون آخر ذلك الدعوة إلى عقد اجتماع لأصدقاء سوريا في باريس قريباً على ما أعلن وزير الخارجية جان مارك آيرلوت، ولا العمل على مشروع قرار في مجلس الأمن لمعاقبة الأسد على استخدام (أو تكرار!) استخدام الأسلحة الكيماوية.

لكن الجديد المهم (والمهم جداً) هو الإصرار على ذلك النهج، الذي يليق في كل حال، بالقيم الفرنسية وبالسياسة النضرة والشفّافة التي اعتمدتها إدارة الرئيس فرنسوا هولاند.. غداة فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية وإطلاقه مؤشرات متناقضة إزاء النكبة السورية لكن تحت سقف عموميات خطرة في مقدمها وقمتها اختزال ثورة السوريين بمعطى الإرهاب الموبوء والعبثي والمشبوه والوظائفي (أي غير المبدئي!).

مهم جداً أن «يشرح» الأوروبيون، خصوصاً منهم الفرنسيين والبريطانيين والألمان، المسلّمات التي يتجاهلها أو يتجاهل بعضها ترامب وفريقه الاستشاري.. وأولها ضرورة التمييز الحاسم بين المعارضة السورية التي تقاتل الأسد وأتباعه وحلفاءه نيابة عن ثورة لا يمكن أحد التشكيك باتساعها وشمولها غالبية السوريين. وثانيها أن «الإرهاب»، الذي يضعه الرئيس الأميركي في صدارة اهتماماته المقبلة، هو الرديف الموازي لنظام البراميل الأسدي، أو بالأحرى هو (خصوصاً في شقّه الداعشي) أحد أخطر الأسلحة التي استخدمها هذا النظام لإنضاج معادلة مزوّرة ومغشوشة تضع العالم أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الأسد أو هذا «الإرهاب» المدّعى!

ومهم جداً أن يعود الفرنسيون خصوصاً والأوروبيون عموماً، إلى الركّ على ارتكابات الحلف الأسدي الإيراني (الروسي) والإضاءة عليها. أولاً لكونها في ذاتها «جرائم ضد الإنسانية» على ما تقول مدوّنة القيم والأخلاق والمبادئ المعتمدة في العالم الحرّ والمتمدن والديموقراطي، وثانياً لأن شيئاً أياً يكن (أياً يكن) لا يبرر، من حيث المبدأ، لأي نظام أو سلطة أو طاغية أو ديكتاتور، أن يعتبر المشاع الوطني العام لأي دولة أو كيان، مشاعاً خاصاً به وبالطغمة المحيطة به، ثم أن يستخدم كل ما في الترسانة العسكرية المتراكمة لدى الجيش والأجهزة الأمنية، للفتك الهستيري بمواطنيه! (وليس ضد عدو خارجي!) ثم أن «يهرب» بجرائمه تحت حجّة مزعومة هي «محاربة الإرهاب»!

وذلك من حيث المبدأ! لكن من حيث التتمات والتفاصيل، من المهم أن «يشرح» الأوروبيون (قبل غيرهم!) للرئيس الأميركي المُنتخب وفريق عمله ومستشاريه، أن الإدارات الأمنية والاستخباراتية والسياسية في واشنطن وفي غيرها من عواصم معنية، تعرف تماماً أن الإضاءة من قِبَل مستر أوباما على المعطى الإرهابي، قابلها تعتيم مقصود ومنهجي ومدروس على حقيقة أن إدارة البيت الأبيض الآفلة، فعلت «كل شيء» لتبرير سياساتها الانكفائية لمصلحة إيران أساساً، بما في ذلك تضخيم قصة الأحجية «داعش» بتناغم فضّاح مع «غرفة عمليات» المحور الأسدي – الإيراني – الروسي!

.. وأن ذلك كله، يُفترض أن «ينتبه» إليه الرئيس الأميركي المُنتخب! وأن يضعه في سياقه الطبيعي وليس المُفتعل. أي أن يرى بدقة أن مقاتلة «الإرهاب» فعلياً وواقعياً وجدياً وجذرياً في سوريا تحديداً، تتطلب ضرب المغناطيس الجاذب لكل تطرّف، وذلك على ما تقول وقائع وحيثيات هذه النكبة الفظيعة، ليس سوى ارتكابات وفظاعات نظام البراميل المتفجّرة والأسلحة المحرّمة دولياً الذي يقوده بشار الأسد!

ما قاله ويقوله ترامب حتى الآن هو أنه يريد التصدّي لأدوار إيران الخارجية و»العمل على إنهاء» ما يحصل في سوريا و»القضاء» على الإرهاب.. ولا بأس أبداً أن «يستعين» بالوقائع الدامغة الموجودة في خزائن الأجهزة الأمنية الأميركية وليس طمرها مثلما فعل أوباما.. ثم بمواقف الأوروبيين في الإجمال والفرنسيين في الخصوص، وتوضيحاتهم وخبراتهم التاريخية في المنطقة العربية والإسلامية عموماً.

.. ومن جديد: شكراً فرنسا!