حسن حنفي

من ضمن الاتهامات التي يصدرها البعض في الغرب، في سياق التحامل ضد الإسلام، الزعم أن الإسلام لم يعرف المواطنة، والمساواة في الحقوق والواجبات بين الناس، وأن الهوية هي الهوية الدينية فقط وليست الهوية الوطنية، وأن النظام الإسلامي هو نظام «الملة» الذي عُرف في الدولة العثمانية، والذي أدى إلى مذابح الأرمن، نظام الطوائف، الأغلبية والأقلية الذي ينتهي في الغالب إلى الحروب الطائفية، كما هو الحال في لبنان والسودان وما زال التوتر قائماً في بلدان أخرى. ويشار أيضاً إلى الجزية، وأهل الذمة، وأهل الكتاب، فالنصارى واليهود أهل الكتاب، في ذمة المسلمين، عليهم الجزية في مقابل العيش في أمان، والمساهمة في تكلفة الدفاع في مقابل الإعفاء من الجندية. والحقيقة أن هذه أيضاً صورة مبتسرة للتعددية في المجتمع الإسلامي. فالملل في المجتمع الإسلامي متساوية في الحقوق والواجبات مثل الأفراد بصرف النظر عن الفرد وملته وكما نص على ذلك «ميثاق المدينة».

والمجتمع الإسلامي بطبيعته متعدد يحكمه قانون العدل. وهناك أشياء انتهت بتقادم الزمن مثل الجزية كضريبة للدفاع، وأهل الكتاب الآن مواطنون ينخرطون في سلك الجندية. ولم تعد تستعمل هذه المصطلحات التي نحتها الفقهاء القدماء مثل أهل الكتاب وأهل الذمة، فالولاء اليوم للوطن، والحق والواجب للمواطنة وللمواطن. وما حدث في الدولة العثمانية كان دفاع الدولة ضد الحركات الانفصالية وليس اضطهاد الأغلبية للأقلية. والحروب الأهلية تحركها المصالح والقوى المتصارعة باسم الدين والملة. وقد تقدم فقه الملل الآن في الاجتهادات الإسلامية المعاصرة وصولاً إلى المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.

وما يُقال عن الطوائف والملل يُقال على الأجناس والأقوام والشعوب والشرائح التي سماها الغرب الأقليات العرقية التي يحددها لون البشرة، والتقابل بين الأبيض من ناحية والأسود والأصفر والأحمر من ناحية أخرى. ويبدو أن الغرب يُسقط تصوره العنصري على باقي الحضارات، عنصرية الرجل الأبيض، «الواسب» في الولايات المتحدة في القمة، البيض الأنجلوسكسونيون البروتسانت، وفي القاعدة السود الأفارقة، وما بينهما الملونون، العرب والآسيويون، العنصرية التي تجلت في النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا.

وكذلك قام الغرب بعدة مشاريع موجهة لادعاء عنصرية العرب عبر التاريخ بالحديث عن دور العرب في تجارة الرقيق في أفريقيا، والحرف السوداء في الوطن العربي. والحقيقة أن هذه صورة مشوهة للتاريخ. فقد اعتبر الإسلام العنصرية والقبلية من تراث الجاهلية. والعروبة ليست بأب وأم وإنما هي اللسان. ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح. وكان بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم أسود حبشياً. وكان النجاشي ملك الحبشة النصراني نصيراً للإسلام والمسلمين، وإليه كانت الهجرة الأولى. وعندما قضى نحبه صلى عليه الرسول الكريم كأخ للمسلمين. الكل لآدم وآدم من تراب. والعبودية كانت نظاماً شائعاً لدى الفرس والروم في الحضارات القديمة وحاول الإسلام انتزاعها من النفوس. فلا يجوز استرقاق من يعرف القراءة والكتابة ولا الأمَة بفعل الأمومة. وإن تحرير الرقاب إحدى الكفارات عن الذنوب مما يدل على أن الاسترقاق كبيرة من الكبائر. وإذا كان رق الأفراد قد انتهى، فقد بقي رق الشعوب بفعل الاستعمار، واستغلال الدول الكبرى للشعوب الأخرى. وقد انتهت الحرب الأهلية الأميركية في أواخر القرن التاسع عشر بسبب الأرقاء، بين الشمال والجنوب.

كما توصف أيضاً الشخصية العربية في التراث الغربي، في الأنثروبولوجيا والأدب، بالكذب و«النفاق» و«التآمر» و«عدم الوفاء»، و«الكسل» و«التبعية»، وعدم الإحساس بالزمن والتراخي والترهل، والقبول بأقل القليل! فالعربي، الكلام الطيب يرضيه، وشراء الخواطر يريحه. يعيش في الماضي ويجتره، وينقل عن الآخرين إبداعاتهم. وهي صور نمطية من أجل السخرية من الآخرين. يلصقها الغرب بالآخر دائماً، بالشرقيين على الإطلاق، والإيطاليين والإسبان، بل وبالهنود والصينيين. الهدف منها جعل الآخر في مرتبة أقل، وإحساس الأوروبي بالتفوق والعظمة أمامه. وهي صفات كآليات للدفاع عن النفس. وألحقت باليهود أيضاً عبر التاريخ. وفي حماس الدفاع عن النفس يمكن أن يقال العكس كما يصور ذلك شعر المديح والفخر. فالعربي يؤثر الآخرة على الدنيا، والموت على حياة الذل، كريم مع الغرباء، وسجاياه وخصاله الكريمة أكثر من أن تعد أو تحصى.