الحريري: نقلنا لبنان الى دائرة إنقاذ الشرعية ولسنا تيار ميليشيات بل الشرعية والاعتدال

 جدد الرئيس المكلف تأليف الحكومة اللبنانية زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري التأكيد أن «التيار نجح في تجنيب لبنان الانزلاق نحو الأخطار المحيطة، من خلال التسوية السياسية التي قررنا أن نقوم بها، ولم يكن لها من هدف سوى العبور بلبنان من حقول الألغام الإقليمية والمحلية الى منطقة آمنة تحت مظلّة الوفاق الوطني، وهذه المبادرة السياسية أنهت الفراغ الرئاسي، بانتخاب الرئيس ميشال عون، ونقلت لبنان من المراوحة في دوائر الخطر واليأس والتعطيل، الى دائرة إنقاذ الشرعية من الانهيار». وشدد على «اننا نحن تيار لبنان أولاً، تيار الشرعية، والدولة القوية التي لا تتقدّم على سلطتها أيّ سلطة، ولا يشاركها في سلاحها أيّ سلاح، ولا تعلو على مرجعيّتها أيّ مرجعيّة. انها شرعية الجمهورية اللبنانية واتفاق الطائف. ونحن تيار العيش المشترك بين اللبنانيين وصيغة المناصفة، ونحن تيار الاعتدال، تيار الجامعات لا الميليشيات، وسنبقى رقما صعباً يستحيل كسره».

حضور حزبي تركي وصيني

وافتتح الحريري أمس أعمال المؤتمر العام الثاني لـ«تيار المستقبل» في بيال، ويشمل انتخاب أعضاء مكتبه السياسي الذي يحرص الحريري على أن يدخل اليه العنصر الشبابي والنسائي.

وشارك في افتتاح المؤتمر وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال الياس بو صعب ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب ميشال موسى ممثلاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري والوزير رمزي جريج ممثلاً رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام، والنائب جوزيف معلوف ممثلاً رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، وقادة حزب «تيار المستقبل» وممثلون لأحزاب عربية ودولية وفي مقدمها عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، وفود من: الحزب «الديموقراطي الكردستاني» - كردستان، حزب «المصريين الاحرار» و «حزب المؤتمر» و «الاتحاد الليبرالي العربي» في مصر، «الأصالة والمعاصرة» و «الاتحاد الدستوري» و «الحركة الشعبية» و «الشبيبة الحركية» من المغرب، «آفاق تونس» و «حركة مشروع تونس»، الحزب «الشيوعي الصيني»، وفد من حزب «العدالة والتنمية» التركي، وفد من «الليبيرالية الدولية» وآخر من «الاتحاد الدولي للشباب الليبيرالي»، مؤسسة «فريدريش ناومان من أجل الحرية»، معهد «التحرير لسياسات الشرق الأوسط - تحالف الليبراليين والديموقراطيين في اوروبا».

كما حضر سياسيون لبنانيون بينهم: رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل ورئيسة «الكتلة الشعبية» ميرنا سكاف ورئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوض. وحضر 2400 مندوب تم انتخابهم في مختلف المناطق اللبنانية من بينهم مئة مندوب من دول الاغتراب والى جانبهم 400 مراقب.

استهل المؤتمر بالوقوف دقيقة صمت عن روح الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري ورفاقه، وافتتح سعد الحريري الأعمال بكلمة اعتبر فيها أن المؤتمر «ينعقد في مرحلة من أدق وأصعب المراحل في تاريخ لبنان والمنطقة العربية»، لافتاً الى «ان السنوات الأخيرة التي أعقبت المؤتمر الأول، لم تكن سهلةً على الإطلاق، وكان لغيابي الطويل لأسباب قسرية تعلمونها جميعاً إنعكاسات سلبية على التيار، أعرفها جيداً، وتناقشت في شأنها مع الكثير منكم. كما خسرنا باستشهاد وسام الحسن ومحمد شطح ركنين أساسيين للقضية الوطنية اللبنانية، وللمسيرة التي أرادها رفيق الحريري: مسيرة الشرعية والعروبة والدولة المدنية».

ولفت الى ان «الأمانة توجب عليّ الاعتراف لكم بأنّكم أنتم الذين شكّلتم خطّ الدفاع الأول عن تيار المستقبل. وصمد التيار بفضل صدقكم وإخلاصكم في وجه العواصف الخارجية وحملات التجنّي والاختراق، وبقي التيار وسيبقى رقماً صعباً في المعادلة الوطنية، يستحيل كسره والتطاول عليه أو التلاعب فيه. وها هو التيار اليوم، يقدم الدليل القاطع على موقعه الاستثنائي في الحياة السياسية، والذي نراهن على ترجمته في هذا المؤتمر».

وقال: «لم يرغب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولم نرغب نحن من بعده، في أن نكون عدداً يضاف الى الأعداد الحزبية والسياسية في لبنان. أردنا لتيار المستقبل أن يكون مشروعاً لبناء وطن، وهذا ما سنكمل الدرب اليه».

ثم تحدث عن «مجموعة من الثوابت تتكامل مع رؤيتنا للبنان الذي نريد»، مؤكداً «اننا تيار هوية لبنان العربية التي لا منافس لها في هويّة البلد. فالعروبة فعل انتماء عميق إلى بيئة حضارية وانسانية وثقافية، ولن تكون فعل استقواء ووصاية وهيمنة او وسيلةً لاستيراد الولاء الطائفي والمذهبي. ونحن تيار لبنان أولاً، تيار الشرعية والدولة القوية التي لا تتقدّم على سلطتها أيّ سلطة، ولا يشاركها في سلاحها أيّ سلاح، ولا تعلو على مرجعيّتها أيّ مرجعيّة. انها شرعية الجمهورية اللبنانية واتفاق الطائف. شرعية المؤسسات الدستورية التي تنبثق من إرادة الشعب والإجماع الوطني، لا من إرادة أولياء الأمور والوصايات الخارجية، ونحن تيار العيش المشترك بين اللبنانيين وصيغة المناصفة التي لا رجوع عنها بين المسيحيين والمسلمين، وتيار الاعتدال العابر للطوائف والمذاهب والمناطق، والأمين على رسالة رفيق الحريري في مقارعة الإرهاب والتطرّف، والفوضى والخراب والفتنة باسم الاسلام والمسلمين».

ومضى قائلاً: «نحن تيار الحريات في مواجهة كل مستبدّ، وتيار السيادة في مواجهة كل وصاية واحتلال، ونحن تيار النهوض الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. تيار الجامعات لا الميليشيات. تيار البناء والإعمار والتطور الإنساني. تيار مكافحة الفقر والحرمان، والانتصار لحقوق الناس بالعلم والطبابة وفرص العمل وكرامة العيش، ونحن تيار الانفتاح على العالم وتجديد الثقة بلبنان ورسالته ودوره المميّز في العالم العربي وحماية علاقاته الاستثنائية مع أشقّائه». وأضاف: «نحن اليوم أمام تجربة ديموقراطية في تيارنا الديموقراطي، تيار المستقبل الذي يعتبر نفسه نموذجاً ورائداً في الدفاع عن نظامنا الديموقراطي اللبناني».

وتوجّه إلى المشاركين بالقول: «أنتم مكلّفون من القواعد التي انتخبتكم بمهمتين: الأولى إجراء مراجعة نقدية لمسيرة تيارنا منذ مؤتمرنا الأول حتى اليوم، والثانية تحقيق كل مطالب تجديد قيادة التيار وضخّ الدم الجديد وإعطاء الفرصة لجيل الشباب والشابات الذي يملك الكثير ليعطيه لتيارنا وبلدنا، والذي هو المستقبل».

وشدد الحريري على انه لا يريد «فرض أي لائحة ولا رأي (...). ناقشوا بحرية وبصدق وتواضع، انتقدوا تجربة السنوات الماضية من دون أن تلبسوا القفازات، لكن الأهمّ: قدموا اقتراحات وحلولاً، ولا تتركوا شاردة وواردة لا بالسياسة، ولا بالتنظيم. ومارسوا حقكم باختيار قيادتكم الجديدة».وقال: «صحيح أن هذا المؤتمر هو مؤتمر تيار المستقبل. لكن كل هذا العمل والجهد والتعب، ليس لهدف حزبي ضيق: هدفه أن يكون تيار المستقبل تياراً واثقاً من نفسه، مرتكزاً على دعم قواعده، ليكمل رسالته الأساسية التي هي خدمة لبنان وليس خدمة تيار ولا خدمة زعيم، ولا خدمة طائفة، ولا منطقة. إنما خدمة رؤية معيّنة للبنان العربي الديموقراطي، لبنان القوي بدولته وعسكره واقتصاده الحر، لبنان نموذج العيش المشترك، العيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين. لبنان الدولة المدنية، لبنان الذي قيمته المركزية هي الإنسان، وكرامة الإنسان، وفرصة الحياة والتطور والتربية والصحة والعمل، لكل إنسان، لكل لبناني ولبنانية، من دون أي تمييز».

وخلص الى القول: «أعلم أن الفترة السابقة، كانت صعبة، وأن كثراً حاولوا استغلالها لزرع الشك في نفوسكم. الشّك بأن اللبنانيّين ما زالوا قادرين على أن يعيشوا بعضهم مع بعض، الشّك بأن نظامنا ما زال قادراً على أن يكمل بطبيعته الديموقراطية، الشّك بأن إقتصادنا ما زال قادراً على أن يصمد، الشّك بأن بلدنا قادر على أن يتغلّب على الصعاب التي تواجهه وعلى النيران المشتعلة من حوله. وأنا هنا لأقول لكم: لا تدعوا أحداً يهز ثقتكم بأنفسكم وبتياركم وببلدكم وشعبكم. وأنا ثقتي بكم كبيرة، وثقتي بلبنان أكبر، وثقتي بالله سبحانه وتعالى وتفاؤلي بأن المستقبل مستقبلنا، والبلد بلدنا».

 

جلسة مغلقة

وبعد استراحة تحول المؤتمر إلى جلسة مغلقة حيث قدم المندوبون مداخلات في شأن الوثيقة السياسية. وناقشوا المحور السياسي، تمهيداً لاعلان الوثيقة والخطة السياسية للتيار للمرحلة المقبلة. كما ناقش الحضور الخطة الاقتصادية - الاجتماعية. كما سيقّوم المرحلة التي مضت منذ المؤتمر الاول للتيار (ست سنوات) واين نجح وفشل.

ومن المقرر ان ينتخب المؤتمر قيادة التيار السياسية اليوم، ويصدر توصياته في كل المجالات.

التقرير السياسي يراجع الثغرات ويعدد التحديات ويدعو لوقف تفكك 14 آذار

ناقش مؤتمر «المستقبل» في جلسته بعد ظهر أمس مشروع التقرير السياسي النقدي في جوانب منه (أكثر من 30 صفحة). وأدت المداخلات وفق ما علمت «الحياة» إلى إدخال تعديلات عليه.

وتناولت مسودة التقرير التحديات التي واجهت التيار منذ مؤتمره الأول في تموز (يوليو 2010) لبنانياً وخارجياً، وعددها مشيراً إلى «عودة مسلسل الاغتيالات الذي طاول رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء الشهيد وسام الحسن والوزير السابق الشهيد محمد شطح». كما تناول «مشاريع اختراق البيئات الشعبية للتيار في بيروت وسائر المناطق، مؤكداً «رفض التيار استخدام السلاح لبت الصراعات السياسية واعتبار الاعتدال السلاح الأمضى». وتطرق إلى «التطورات في سورية والعراق واليمن وليبيا ولبنان، معتبراً أنها وضعت تيار «المستقبل»، أمام لوحة جديدة من الأخطار والتحديات. ورأى أن هذا الوضع «شرّع الأبواب أمام نفوذ إيراني، نفّذ أوسع عملية إنزال مذهبي في المجتمعات الوطنية العربية، فعطل المؤسسات الدستورية في لبنان، وخرب المصالحة الوطنية في العراق، وسمم الثورة السورية بوباء الحرب الأهلية والتنظيمات الإرهابية، وقطع الطريق أمام الحوار الوطني في اليمن والعراق». وأشار إلى «قرار حزب الله، في إطار الخضوع للمرجعية الإيرانية، تولّي مهمات قتالية وعسكرية في سورية وبلدان عربية أخرى، ما شكّل خروجاً صارخاً على المواثيق، وتجاوز الحقوق الحصرية للدولة باستخدام السلاح، ما أدّى إلى تهديد علاقات لبنان العربية، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية».

ولاحظ مشروع التقرير أن «الربيعين اللبناني والعربي واجها نوعين من التطرف، الإيراني الذي عمل على مذهبة الصراعات السياسية العربية، والتطرف الداعشي الذي توسل الدين لضرب الأحلام العربية بالتغيير، فتناوبا على ضرب الاعتدال العربي وكادا أن يغيّرا وجه المنطقة، لولا الصحوة التي قادتها المملكة العربية السعودية تحت شعار «عاصفة الحزم»، ونجحت في فرملة التوغّل الإيراني في اليمن».

وفي تقييم التحديات تطرق التقرير إلى «مبادرة السين–سين» التي «أرادتها المملكة العربية السعودية للمصالحة العربية ومدخلاً لمعالجة الأزمة اللبنانية، وإلى غدر القيادة السورية بها لإخضاع القرار الوطني لإرادة المحور السوري – الإيراني وأتباعه، وإلى اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، وتدخل إيران وحزب الله العسكري لحمايته وقمع الثورة، وفتح الحدود أمام الإرهاب وقياداته، ما أدى إلى عسكرتها وتشتت قواها، ودخول سورية في حروب طاحنة». وتحدث عن عجز البرلمان عن انتخاب رئيس للجمهورية وصدور تكليف إيراني لحزب الله باتخاذ بيروت منصة سياسية وإعلامية للتحريض ضد السعودية ما خرب علاقات لبنان العربية وأوقف المساعدات للجيش والقوى الأمنية، وصعّد الاعتراض على تفاقم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، وأدى إلى تفكك قوى 14 آذار بعد الخلافات على سبل ملء الشغور في الرئاسة. ورأى التقرير أن الانتخابات البلدية التي كشفت عوامل التقصير والضعف في البنى التنظيمية والسياسية للتيار، وتستدعي مقاربة موضوعية وصارمة لتصحيح الخلل.

ويقر مشروع التقرير بأن رئاسة التيّار، وكتلته النيابية، والأمانة العامة للتيار، تحركت في شكل غير منسق خلال الأعوام الماضية، بينما شُلّ المكتب السياسي ولم يجتمع المجلس المركزي إلا ثلاث مرات. لكن النص عدد المبادرات التي أقدم عليها رئيسه لاستيعاب الوضع الأمني في طرابلس وصيدا وعرسال بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، وفتحه الحوار مع «التيار الوطني الحر»، والسعي مع قوى 14 آذار لإنهاء الشغور الرئاسي، ثم ترشيحه النائب سليمان فرنجية وصولاً إلى تبني ترشيح العماد عون على رغم إدراك قيادة التيار للمزاج العام لجمهورها وجمهور العديد من شركائها... واعتبر أن رئيس الجمهورية هو رأس النظام، وليس رأس حربة للدفاع عن أي نظام إقليمي وتسليم مصير لبنان للإرادات الخارجية. وأكد أن حوار التيار مع «حزب الله» لم يمنع استمرار موقفه الحاسم من أن سلاحه غير شرعي، ونقيض للدولة وتهديد للسلم الأهلي. وهو ما ينطبق على «سرايا المقاومة». ولم يفت التقرير الإشارة إلى بروز تباينات في الكتلة النيابية في التعبير عن المواقف السياسية، وإلى أن مبادرات الرئاسة جرت من دون علم المكتب السياسي وإلى إدارة الشأن التنظيمي بالمراسلة لغياب الحريري، وإلى حال الوهن والارتباك في حركة 14 آذار، التي أصابت «المستقبل» في الصميم، داعياً إلى وقف التفكك فيها، كمهمة وطنية لكسر الاصطفاف المذهبي العمودي.

ورأى التقرير أن الإقرار بلبنانية «حزب الله» وما يمثّله في الطائفة الشيعية، لا يلغي شهادة المنشأ الإيرانية للحزب، ولا يعطيه أيَّ حقوق شرعية أو قانونية باستخدام لبنان ممرّاً أو مقراً لمشاريع طهران في المنطقة. وأقر بأن الطبقة السياسية تواجه لائحة اتهامية، تجعل النظام هدفاً للإصابة الدائمة بسهام الفشل والتقصير والفساد والعجز عن رعاية شؤون المواطنين. وعمّق هذا الوضع عدم استكمال تطبيق اتفاق الطائف.

وأضاف: «لم يكن تيار «المستقبل» في منأى عن الإصابة بتلك السهام التي كانت مُركّزة في اتجاهه، لأهداف تتجاوز مسؤولياته المباشرة عن المشاركة في السلطة، إلى أغراض محلية وإقليمية. ونُظمت أشرس حملة تشويه ضد التجربة الحريرية، وهي حملة لم تتوقف عند حدود اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد يكون الحراك المدني في الأشهر الأخيرة أبرز علامات الاعتراض على النظام السياسي ورموزه، وكان من الطبيعي لهذا الحراك أن يجد تعاطفاً في أوساط اللبنانيين من كل الفئات والطوائف، وأن ينجح في كسر الاصطفاف الطائفي والمذهبي، ليجمع المزاج اللبناني العام حول قضايا مطلبية، أشعلتها أزمة النفايات».