جميل الذيابي

قبل شهر تقريبا كتبت في هذه الزاوية محذرا من ظاهرة «العائدين من داعش» المحتملة، في ما لو أُلحقت الهزيمة بالتنظيم الدموي وطرده من معقليه السوري (الرقة) والعراقي (الموصل) بعد فرارهم من دابق، اتضح أن عناصر «داعش» - النائمين واليقظين- في هذه الأرض بلغوا مستوى من الخزي والعار والجريمة غير المسبوقة باستهدافهم الآباء والأمهات والجار والدار. وهو ما يمكن استخلاصه من قراءة في بيانات وزارة الداخلية السابقة التي كشفت مخططات عدة، بينها استهداف عناصر التنظيم لملعب الجوهرة في جدة بسيارة مفخخة، كانت ستقتل وتجرح وتصيب نحو 60 ألفا اكتظ بهم الملعب، ليشهدوا مباراة منتخبي السعودية والإمارات، وغالبيتهم كانوا صائمين في يوم عاشوراء.

وأمس (السبت)، نجحت وزارة الداخلية مجددا في القبض على «الداعشي» هايل العطوي وسبعة آخرين، بعد ارتكاب جريمة قتل الجندي بالجيش السعودي عبدالله الرشيدي، وهو يقود سيارته الخاصة بمدينة تبوك صباح الأحد الماضي، وإقرار العطوي بتنفيذ جريمته استجابة لدعوة «داعش» باستهداف العسكريين السعوديين.

ولا شك في أن القبض على المشتبه بهم من إنجازات قوات الأمن السعودية التي أضحت تجربتها عالمية في كبح الإرهاب وتدميره حتى أضحت مرجعا لأجهزة أمنية عدة، لقدرتها على المتابعة والملاحقة والمطاردة لتحطيم أحلام الإرهابيين ومن يقف خلفهم من جهات إجرامية.

فقد لاحظنا من بيانات «الداخلية» أن عناصر «داعش» في المملكة تتحكم بهم رؤوس الأفاعي في الرقة والموصل بـ«الريموت كونترول»، ليعيثوا في وطنهم خرابا، وإفسادا، وإراقة للدماء، وترويعا للآمنين والمستأمنين. وهو ما يستشف من الإطاحة بـ «خلية شقراء» المكونة من 4 سعوديين، الذين اعترفوا بأنهم يقومون برصد رجال الأمن في تبوك والمنطقة الشرقية ومنطقة الرياض، وإرسال معلوماتهم لقيادات «داعش» في سورية، لإصدار تعليماتهم للإمعات لتنفيذ عمليات اغتيال وتفجير في المملكة يخطط لها من الخارج.

فقد كشفت البيانات الرسمية عن سلسلة جرائم مروعة خطط لها هؤلاء المتوارون، ولا يمكن وصفها إلا بأنها مدخل عريض للعبث بالأمن واستقرار البلاد، وتحويلها ساحة للفوضى والخراب.

وينبغي ألا يفوتنا أن نشير إلى ملحوظة مهمة، فقد أضحى «داعش» المحاصر في كل مكان يركز على المدن الطرفية، بعيدا عن المدن الكبرى، كما رأينا في ضرما، وبيشة، والدالوة، وشقراء ثم تبوك. كما أن من يقرأ بيانات «الداخلية بتأنٍ، سيشعر بالقلق من تزايد ظاهرة دخول عناصر من الوافدين المجندين لخدمة «داعش» وتنفيذ تفجيرات داخل المملكة في محاولات التخريب والقتل والتدمير في المملكة، وهو ما يتطلب التنبه من الجميع لما يحاك ضدنا جميعا.

ففي حادثة محاولة تفجير القنصلية الأمريكية بجدة في رمضان الماضي، كان الانتحاري المنفذ باكستانيا. وهجوم ملعب الجوهرة الفاشل يفضح قيام باكستانيين وسوداني وسوري بالتورط في هذه الجريمة المريعة، وكذلك «نافذة» وزارة الداخلية تظهر حجم تورط بعض الأجانب في تلك الأعمال الإجرامية. ومن المستغرب أن يترك سوري بلاده في ربقة الأزمة التي تشنها جهات عدة، على رأسها إيران لقتل المدنيين والأطفال والنساء وتدمير المشافي والمدارس؛ ليستهدف بالقتل عسكريين ومواطنين ومقيمين أبرياء في السعودية.

حتمية تكثيف التعاون بين الدول العربية والإسلامية ضرورة مُلحة، لكبح أخطبوط الإرهاب الدموي المدمِّر ونيات هؤلاء الأوغاد للتفجير في مملكة فتحت أبوابها لهم ومنحتهم الأمن والأمان.

الأكيد أن دور الأسرة والمجتمع والمؤسسات الحكومية والأهلية لا بد أن يتكامل مع جهود وزارة الداخلية؛ ليبقى حجر زاوية في هذه المعركة الكبيرة، التي لا بد أن نكسبها مهما عظمت التضحيات وكبرت التحديات، في مواجهة شيطان العنف والتطرف، شيطان التنظيم الخبيث المسمى «داعش»، لكون الأمن هو الخيط الذي لا يمكن التفريط به، لأن انهياره بمثابة الدمار لكل البلاد والانتقال نحو الخراب والفوضى والمصير المجهول!