سمير عطا الله

 ما أسهل الكتابة عن الأشياء الصعبة. ففي الإمكان أن تحلّ أعقد القضايا وأنت جالس إلى مكتبك. ثم تمر السنون والعقود وأنت تتيقّن يومًا بعد آخر أن الأقلام وحدها لا تحل شيئًا. جميع أميركا الفكرية والثقافية والفنية، وقفت ضد انتخاب دونالد ترامب، لكنه انتُخِب. وجميع العقول والعقلاء وذوي النوايا الطيبة وقفوا مع المصالحات ضد الحروب، لكن حَمَلة ثقاب الشر وعدميّي الأنفس، عبروا بقوافل الموت والخراب فوق جميع طرقات الوفاق والوئام والأمل.
من الطفولية أو العبث أو حتى الغلظة، أن نقضي بأقلامنا الصغيرة بالقضايا الكبرى. لكنه مجرد رأي خاص أو مشاعر وجدانية، أو طريقة في التعبير عن اليأس الإنساني المطلق، أمام جسامة الكوارث المتلاحقة من حولنا في هذا العالم: تلك الأمم المتحدة التي طالما دافعتُ عنها بكل قناعة، ورأيت فيها ضرورة بشرية تضبط شطط الأمم والشعوب، مهما أخفقت في كثير من الحالات، أراني، أتمنى اليوم لو أنها مغلقة الأبواب، توفّر على العالم نحو ستة مليارات دولار كل عام، تُصرف على الطلاء والمآدب والرواتب والمؤتمرات الفارغة، والوسطاء الخائبين. لقد أثبتت الكارثة السورية أن المنظمة الدولية ذات اللون الأزرق وأغصان الزيتون، لم تنجح إلا في أن تكون غطاءً للفيتووات السامة، والقرارات القاهرة، التي مهّدت طرق البر والبحر والجو، أمام مدافع بوتين وغزوته التدميرية لسوريا، كما غطّت، في المقابل، زِئبقيات باراك أوباما وفذلكات جون كيري، بل هي غطّت صمت العالم أجمع أمام إهالة التراب والركام فوق مدن سوريا وتحويلها إلى مزارات النحيب.
لماذا لا تُحلّ هذه المنظمة وتُصرف موازنتها كلها على الإغاثة في عالم منزلق أبدًا إلى ساحات القتل والدمار؟ ليس بأيدي الصغار وحدهم، بل بهراوات الكبار الذين يُفترض أنهم مكلفون بحماية الدول الضعيفة والشعوب المضطهدة. ترى هل أن بوتين يُنزل الفتك بالإرهاب أم بالشعب السوري؟ وإذا كان يطارد الإرهابيين حقًا، فهل تساوي مطاردتهم دمار حلب وتحويلها إلى مقبرة كبرى من رمال ومدفونين أحياء؟ منذ أن دخل بوتين علنًا النزاع، لم يعرض على السوريين مرة واحدة مشروعًا يجمع بينهم، أو يوقف قتالهم وتشردّهم ومذلّتهم، بل عرض مرة ما سماه «هدنة إنسانية» فوق أفظع ركام حربي منذ الحرب العالمية الثانية. «هدنة إنسانية» من بضع ساعات، أو أحيانًا بضعة أيام تتوقف فيها قاذفاته عن قصف الأطفال والنساء والعجزة والمساكين الذين يرفضون أن يتركوا بيوتهم إلى ذل التشرد المجهول. ولن ننسى طبعًا أن جميع العروض الإنسانية التي تقدم بها، كانت ملفوفة بورق دولي أزرق، وعليها أحيانًا توقيع الرجل الباهت في الطابق الأعلى من المبنى الأزرق.
ماذا لو فقدنا المبنى الأزرق وتركنا هذا العالم إلى ملاعب الجريمة الجماعية الفالتة؟ إلى من نلجأ؟ لا ندري. لكن اللجوء إلى هذه المنظمة مجرد مطالبة ببيان آخر. حبر وورق.. وبان كي مون.